Snippet

نهر النيل تقرير مصور مدعوم بالصور

مقدمة
نهر النيل في مصر كما تم تصويره من الفضاء

اغرب انهار العالم، انهار عالمية

اغرب انهار العالم، انهار عالمية

اغرب انهار العالم، انهار عالمية

اغرب انهار العالم، انهار عالمية

اغرب انهار العالم، انهار عالمية

هذا الكتاب هو جهد سنوات طوال من البحث وقد كتبته أصلاً باللغة الإنجليزية لكي أنشره على المتخصصين من المشتغلين بالعلم كما جرت عادتي خلال تاريخي الطويل في ميدان البحث اعلمي وعندما أوشكت على الإنتهاء من إعداد الكتاب للنشر قررت أن أشذ عن هذه العادة وأن أغير أسلوب الكتاب الذي كان مكتظاً بالمصطلحات العلمية إلى لغة يسهل فهمهاعلى القارئ العادي غير المتخصص فقد أردت أن أصل إلى عدد أكبر من القراء لكي يشاركوني في بعض نتائج الأبحاث العلمية التي شغلتني لسنوات طوال بدلاً من كتابتها لعدد قليل من المتخصصينوفي هذا البحث بالذات كانت النتائج التي توصلت إليها مثير ومشوقة حقاً. وليس من قبيل المبالغة أن أقول إن القوت الذي قضيته في إعداد هذا الكتاب كان من أسعد أوقات حياتي.
وعندما إنتهيت من كتابة الكتاب خطر لي أن أقم بترجمته إلى اللغة العربية وبالفعل بدات = وفي تردد – ترجمة أجزاء منه كنت أقرؤها على بعض الأصدقاء فوجدت منهم إستجابة شجعتني على المضي في الترجمة إلا أن أكبر التشجيع جاءني من الصديق الحميم مطفى نبيل رئيس تحرير الهلال الذي يعود إليه الفضل في ظهور الكتاب باللغة العربية فقد حثني على الإنتهاء من الترجمة بإلحاح المحب لي وللنهر كما انه قضى وقتاً طويلاً في إعداد الكتاب للطبع وفي إنهاء رسومه على وجه مرض. وقد أزال آخر تردد لي حماس الصديق مكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال لنشر الكتاب باللغة العربية على الرغم من معرفته بقلة العائد من مثل هذه الكتب الباهظة التكلفة في الإعداد والمحدودة الإنتشار بطبيعتها. فقد أحسست أنه يشعر بأن للدار رسالة تفوق النفع المادي السريع. ولا يسعني إلا أن أشكره لقبوله الدخول في ميدان النشر العلمي بالعربية فالكتاب الذي بين يدي القارئ وهو مرجع علمي ليست له نظاتئر كثيرة بالمكتبة العربية.
ولنهر النيل جاذبية خاصة فحول ضفافه الدنيا نشأت واحدة من أقدم وأعرق الحضارات التي تركت أثرها على تاريخ الإنسان كما أن للنهر من المظاهر الطبيعية الفريدة ما يجعله نهراً بلا نظير, فهو النهر الوحيد الذي إستطاع أن يحمل جزءاً من مياه أفريقيا الإستوائية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الصحاري والقفار علىالرغم من قلة المياه التي يحملها بالنسبة لمساحة حوضه الكبيرة وطوله الهائل, كما أنه ينفرد من بين أنهار العالم الكبرى بإنتظامه الرتيب وإيقاعه المنتظم الذي جعل العيش في ظله آمناً والتنبؤ بأحواله سهلاً وبناء تقويم يبدأ عندما يفيض تحدد فيه الفصول والشهور والسنوات ممكناً.
وقد فتنني نهر النيل منذ شبابي وتقت لمعرفة أسراره وكانت رحلتي إلى منابعه هي أول رحلة أخرج فيها من مصر. أردت أن أعرف كيف نشأ هذا النهر ومتى كانت بداياته وكيف وصل إلى حاله الذي نراه عليه اليوم, وماذا كان شكل الوادي والدلتا قبل أن يصلهما الإنسان ويسويهما حقولاً منبسطة تخترقها الترع التي تنقل الماء إلى كل مكان وتتناثر فيهما القرى كالجزر, هل كان هذا السهل مليئاً بالأحراش والمستنقعات التي إحتاجت من الإنسان القديم أن يصرف مياهها على أمد آجال طوال قبل أن يستقر فيها؟ أم أن الوادي والدلتا كانا ممهدين وأرضهما خصبة تتناثر فيها الأشجار والنهيرات والبرك كجنة عدن الأولى التي حلم بها الإنسان منذ القدم؟ ومن هم هؤلاء الناس الذين إستقروا في وادي النيل؟ ومن أين أتوا؟ هذه وأسئلة أخرى كثيرة ظلت معي لسنوات طوال أحاول الرد عليها بالقيام بدراسات حقلية لمعرفة تاريخ النهر وقد إمتدت هذه الأبحاث بين سنة 1962 وسنة 1977 وكان مما ساعدني في معرفة بعض أسرار هذا التاريخ إنضمام فريد وندروف زميل الدراسة فس جامعة هارفارد وأحد رواد علم ما قبل التاريخ في العالم القديم إلى هذه الدراسة الحقلية: كان هو يقتفي آثار الإنسان القديم في الوقت الذي كانت إقتفى فيه التغيرات التي طرأت على بيئة النهر عبر تاريخه الطويل – وفي عام 1978 أتاح لي عملي الإستشاري معرفة أسرار دلتا النيل التي كانت قد دقت فيها أبار عميقة وراء البحث عن البترول وصلت لأول مرة إلى أعمق رواسبه مما فتح أمامي باباً كان مغلقاً عن تاريخ النهر وبدء نشأته التي حدثت قبل وصول الإنسان إلى وادي النيل بعدة ملايين من السنين.
وكان لابد لمذكراتي وملاحظاتي عن النهر والدلتا التي شغلتني طوال هذه الأعوام أن تنتظر حتى يحين الوقت الذي أستطيع فيه أن أجمعها في إطار كتاب واحد ومتسق. وقد تأخر هذا الوقت فقد شغلتني أمور معائشي بعد أن إضطررت لنقل نشاطي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب ذلك القرار التعس اذلي اصدره رئيس مصر السابق بالتحفظ علي في سبتمبر سنة 1981. وقد جاء هذا الوقت عندما تسلمت دعوة من معهد الدراسات المتقدمة ببرلين لقضاء العام 1989-1990 كزميل بالمعهد وهي دعوة توجه إلى أربعين أستاذاً من المشتغلين بالعلوم كل عام لكي يقوموا بأي عمل علمي يغبون فيه دون أن يكون عليهم أي إلتزام أو واجب يؤدونهز وبالإضافة غلى موقع المعهد الخلاب ومكاتبه الأنيقة ومساكنه المريحة ومطعمه الفاخر فإنه يعطي للباحث خدمات ممتازة في المكتبة والإتصالات والسكرتارية. وقد قررت أن أقبل العرض وأن أكرس كل وقتي في هذا العام لكتابة الكتاب عن نهر النيل, إلا أن الوقت اذلي أحتاج إليه لإعداد الكتاب كان أطول مما تصورت فلم أنته من الكتاب إلا بعد ذلك بسنتين كاملتين.
لقد شغل نهر النيل الناس منذ أقدم الأزمنة وكتب المؤلفون عنه الكثير حتى ليمكن القول بأن مجموع الكتب والمقالاتا التي كتبت عنه تربو على العشرين ألفاً, ومعظم هذه الكتب هي من كتب الرحلات لعل أشهرها هو ما كتبه الكاتب الألماني المشهور إميل لودفج بعد عودته من رحلته عبر النيل في سنة 1927 وما كتبه آلان مورهيد عن "لنيل الأبيض" و "النيل الأزرق" وهما كتابان يحكيان قصة إكتشاف ومن الكتب ما إنشغل بمياه النيل كمؤلفات مشاهير المصريين علي مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية" الذي يقع في عشرين مجلداً والذي صدر في سنة 1899 وأمين سامي "نقويم النيل" الذي يقع في ستة مجلدات والذي صدر بين سنة 1915 وسنة 1930 وعمر طوسون في كتابيه اللذين صدرا بالفرنسية في سنتي 1922 و 1925 "تاريخ النيل" و "فروع النيل القديمة" وفي هذه الكتب ثبت بقياسات النيل التي جاءت من مقياس الروضة منذ إنشائه في أوائل الحمك العربي. ومن الكتب ما إنشغل بجغرافية النهر مثل كتاب محمد عوض محمد في كتاب جمال حمدان "شخصية مصر" ومنها من كتب عن تنظيم مياهه مثل رجال الري. وليم ولكوكس وكريج في كتابهما الشهير "الري المصري" الذي أصدر في ستة 1887 وأعيد إصداره في سنة 1913 وموسوعة نهر النيل التي بدأها هرست وشاركه فيها فيليبس وبلاك وسميكة والتي تصدرها وزارة الأشغال المصرية منذ أوائل القرن العشرين وقد أخرجت هذه المدرسة أساتذة كباراً في فنون الري في مصر. ومن الكتب ما تتناول قبائل أفريقيا أو حيواناتها أو رياضة الصيد فيها.
ولاموضوع الأساسي الذي يدور حوله الكتاب هو مياه النيل وهو أربعة أجزاء يتناول الجزء الأول موضوع نشأة النهر وتطوره حتى إتخاذه شكله الحالي وهذا الجزء شديد التخصص حاولت أن أكتبه بلغة سهلة على قدر ما إستطعت ومع ذلك فقد أعددت لأولئك, الذين سيجدون صعوبة في متابعة هذا الفصل, موجزاً لخصت فيه نتائج هذا الجزء يستطيع القارئ بعد قراءته أن يقفز مباشرة إلى الجزء الثانيإن رغب. ونتائج الجزء الأول مثيرة حقاً فهي تظهر أن النيل بدأ في مصر خانقاً عظيماً منذ ستة ملايين سنة ولم يتم إتصاله بأفريقيا الإستوائية إلا منذ 800 ألف سنة فقط وأن النيل الذي نراه اليوم هو نهر حديث ولد مع أمطار الفترة المطيرة التي أعقبت تراجع ثلوج العصر الجليدي الأخير منذ حوالي عشرة آلاف سنة, وقد قلت المياه التي يحملها النهر منذ أن إنكمشت جبهة أمطار هذه الفترة منذ خمسة ىلاف سنة حتى ليمكن القول إنه لولا عبقرية المهندس المصري القديم والحديث وجهد فلاح مصر ما أمكن لمصر أن تكون لها هذه الكعبة من المياه التي تصلها بل وربما ما وصل إليها النهر أصلاً! 
 ويتعلق الجزء الثاني من الكتاب بهيدرولوجية النهر وكمية المياه التي يحملها اليوم وتقلباتها وأسباب هذه التقلبات, وأعقبته بفصل رجعت فيه إلى غابر الزمان في محاولة لمعرفة تقلبات كمية المياه التي حملها النهر الحديث منذ نشأته منذ عشرة ىلاف سنة مستخدماً في ذلك بيانات مقاييس النيل القديم وما كتبه الأقدمون عن أحوال مصر التي كانت شديدية الحساسية لأحوال النيل وعن الهجرات الجماعية لسكان الصحارية وغير ذلك من الأدلة وغير المباشرة التي يمكن أن تساعد في معرفة كمية المياه التي حملها النيل في الماضيز
ويتناول الجزء الثالث موضوع إستخدمات مياه النيل منذ أن نزل الإنسان على ضفاف النهر منذ مئات الآلاف من السنين وكيف إستطاع أن يستغل بيئة النهر التي تغيرت عبر هذه السنوات الطوال لتطوير معائشه متنقلاً من الصيد وجمع النبات البري والدرنات وصيد الأسماك إلى الزراعة البدائية فالزارعة بإستغلال ظاهرة الفيضان ثم بترويض النهر حى تمام ضبطه بالكامل ببناء السد العالي. وقد حاولت في آخر هذا الجزء أن أقيم الآثار الجانبية للسد العالي بعد مرور أكثر من عشرين سنة على إتمام بنائه.
ويعالج الجزء الرابع مستقبل إستخدامات مياه النيل وموقف الإتفاقيات القائمة بين دول الحوض ومصادر المياه والأرض القابلة للزراعة المتاحة لهذه الدول وطريقة إستخدامها في الوقت الحاضر وخطط إستخدامها في المستقبل لكل دولة من دول الحوض.
ويمس هذا الكتاب بهذا التنوع في الموضوعات علوماً كثيرة كان علي أن أبدأ في معرفة مبادئها فضلاً عن تفهم نتائج آخر أبحاثها وقد ساعدني في هذا الكثيرون أخص منهم كلاوس فريدريش أستاذ الأرصاد الجوية بجامعة برلين الحرة الذي حضرت له أحد مناهجه في علم الأرصاد الجوية واذلي قرأ الفصل الخاص "بالمناخ وتطور النهر" وأجازه كما فعل نفس الشئ ولدونج وكلارا كروبر الأستاذان بمتحف برلين للمصريات فقد زوداني بالأبحاث المناسبة وقرآ الجزء الخاص بتقلبات نهر النيل في مصر القديمة ورأيا أن الإطار الزمني الذي إستخدمته كان صحيحاً أما في ميدان الري فقد إستفدت أكبر إستفادة من مناقشاتي الكقثيرة مع شقيقي نجيب فهمي الذي قضى عمره في خدمة الري في مصر والذي زودني بالكثير من المراجع وقرأ ما كتبته عن منشآت الري في مصر كما إستفدت بما زودني به محمد عبد الهادي راضي رئيس مجلس إدارة هيئة بحوث توزيع المياه وطرق الري بوزارة الأشغال المصرية من معلومات ومن أبحاثه القيمة عن مستقبل إستخدمات مياه النيل ومن مجلة علوم المياه التي يرأس تحريرها والتي تحتوي على بعض نتائج أعمال هيئات وزارة الأشغال المصرية البحثية أما في مجال علوم البيئة ونوعية مياه النهر فقد كانت لي مع الصديق محمد عبد الفتاح القصاص جولات من المناقشات المثيرة والمفيدة. وقد زودني عبد العظيم الجزار الملحق الزراعي بالسفارة المصرية بواشنطن ببعض البيانات لاتي طلبتها منه عن الإنتاج الزراعي في مصر. وبطبيعة الحال فإن أحداً من هؤلاء لايمكن أن يتحمل أي خطأ يمكن أن يكون قد حدث في نقل هذه المعلومات أو تفسيرها فإني مسئول مسئولية كاملة عما ورد في هذا الكتاب.
وأريد في نهاية هذه المقدمة أن أشكر من صميم قلبي شوقي عابدين رئيس شركة بترول خليج السويس وكذلكك شركة أموكو للبترول للمنحة المالية التي قدمتها لإتمام رسوم هذا الكتاب. "د. رشدي سعيد" "واشنطن – الولايات المتحدة يونيه 1992" 
 


تمهيد
يشكل نهر النيل ظاهرة جغرافية فريدة في شمال أفريقيا, فهو النهر الوحيد الذي إستطاع أن يشق طريقه قيها وأن يحمل جزءاً من مياه أفريقيا الإستوائية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قفار الصحراء الكبرى. والنيل هو النهر الوحيد الذي يصب في جنوب البحر الأبيض المتوسط, وذلك بعد أن يقطع رحلة طويلة عبر الصحراء الكبرى ينساب فيها لمسافة 2700 كيلومتر, فيما بين العطبرة والبحر دون أن يتلقى رافداً واحداً أو أية كمية تذكر من المياه – وتعتبر مثل هذه الرحلة فريدة في بابهاو وظاهرة نادرة من الظواهر الجغرافية, إذ لا يكاد يكون هناك نهر آخر تمكن من الجريان لهذه المسافة عبر قفار دون أن تتبدد ميتهه وتتساقط الرواسب التي يحملها في دلتا داخلية قبل أن يصل إلى البحرو ومن أمثلة الأنهار التي لم تستطع أن تقطع أية مسافة تذكر بعد أن إنقطعت عنها منابع مياهها نهرا القاش والبركة اللذان ينبعان من المرتفعات الأثيوبية ثم يجريان إلى مسافة قصيرة عبر سهول أريتيريا والسودان القاحلة قبل أن تتبدد مياههما وتتوزع الرواسب التي يحملانها في دلتاوات داخلية, وسنرى فيما بعد أن نهري العطبرة والنيل الأزرق سلكا, في بعض الأوقات السالفة التي ساد فيها الجفاف, المسلك نفسه وتبددت في الصحراء قبل أن يصلا إلى النيل.

وقد أمكن للنيل أن يقطع رحلته عبر الصحراء الكبرى نتيجة أحداث جيولوجية فريدة, أهمها تلك التي سمحت له أن يكونله مصدران للمياه: واحد من هضبة البحيرات الإستوائية, حيث تتساقط الأمطار على مدار السنة وحيث الأنهار غيرالموسمية لا تتغير فيها كمية المياه التي تحملها من موسم إلى موسم لكثر من الضعفين, والثاني من المرتفعات الأثيوبية ذات الأمطار الصيفية, وحيث الأنهار موسمية تحمل من المياه في موسم الأمطار ما يزيد على أربعين ضعف ما تحمله في المواسم الأخرى. وقد تشكلت تضاريس هاتين المنطقتين نتيجة أحداث جيولوجية حديثة العهد نسبياًِ تسببت في توجيه تصريف المياه التي تسقط عليهما ناحية حوض نهر النيل, وإنه لمن اللافت للنظر حقاً أن معظم تصريف المياه التي تسقط على المرتفعات الأثيوبية يذهب إلى الغرب ناحية النيل ولا يذهب إلا أقله ناحية البحر الأحمر, الذي ينفرد من بين جميع بحار العالم بعدم وجود أي نهر يصب فيه. كما ادت هذه الأحداث الجيولوجية إلى شق وتشكيل ذلك الجزء من التهر الذي يخترق هضبة النوبة, تلك الهضبة التي تشكل معبراً تصل عن طريقه مياه النيل إلىالبحر الأبيض المتوسط, وسنتناول هذه الأحداث بشئ من التفصيل فيما يعد.

ويحمل نهر النيل كمية قليلة من المياه بالمقارنة إلى طوله أو مساحة حوضه. ومقارنة بأنهار العالم الأخرى على الرغم من طوله الكبير وحوضه المتسع الذي يغطي أكثر من عشر مساحة القارة الأفريقية. كما أن تصريف النيل يكاد يقترب من تصريف نهر صغير مثل "الراين" لا تزيد مساحة حوضه على 13:1 من مساحة حوض النيل. وتعود قلة تصريف النيل إلى الكمية الصغيرة من المياه التي تصل وحدة مساحة الحوض, ذلك لأن جزءاً كبيراً من الحوض يقع في مناطق قاحلة لا تطولها أمطار.

وينسبط النيل في بعض أجزائه التي يجري فيها سهول قليلة الإنحدار, وينحدر إنحداراً شديداً في أجزاء أخرى. ويمكن تمييز خمس بسطات قليلة الأنحدار هي من الجنوب إلى الشمالك بسطات بحيرة فيكتوريا, وبحيرة كيوجا, والإمتدار من بحيرة ألبرت إلى نيمولي, ومن جوبا إلى الخرطوم, ومن وادي حلفا إلى البحر الأبيض المتوسط. أما إمتدادات النهر التي تربط بين هذه البسطات فهي شديدة الإنحدار, يعترضها الكثير من الجنادل والشلالات, وتبدو من حيث الشكل والتكزين حديثة العهد. ويظهر أن بسطات النهر المختلفة كانت تشكل قبل نشأة هذه الإمتدادات الشديدة الإنحدار والحديثة التكوين أحواضاً مستقلة ومنفصلة بعضها عن بعض. وتختلف كل بسطة من البسطات الخمس عن الأخريات من حيث المساحة وشكل المقطع وكمية المياه التي تحملها, وكذلك في أصلها ونشأتها.

أما البسطات الأربع الجنوبية فيبدو أنها شكلت أحواضاً ذات تصريف داخلي لمدة طويلة من الزمان. فقد جاء إنفتاحها ووصول مياهها إلىالبحر حديثاً وفي فترات متقطعة – كما كان إتصال بعضها بالبعض متقطعاً, يحدث في الفترات التي تزداد فيها الأمطار حين يرتفع منسوب المياه في البحيرات فتفيض على جنباتها وتصل إلى الأحواض المجاورة. أما في الفترات التي كانت فيها الأمطار قليلة فقد تقلصت مساحة هذه البحيرات حتى جفت في كثير من الأحيان وإنقطعت صلتها بما جاورها من أحواض.

وتقع البسطات الثلاث الجنوبية في هضبة البحيرات افستوائية ذات الأمطار الغزيرة نسبياً (بمتوسط 1200 ملليمتر في السنة). أما البسطة الرابعة والتي تمتد من جوبا حتى الخرطوم فتكون حوضاً داخلياً هائلاً يغطي الجزء الأكبر من السودان تهطل عليه أمطار أقل غزارة. ويتصل هذا الحوض الأخير في الوقت الحاضر بنيل مصر فالبحر الأبيض المتوسط عبر هضبة النوبة سريع الجريان كثير الجنادل والشلالات. 
 

لقد كان إتصال هذه الأحواض ببعضها وإدماجها في نهر واحد كالذي نراه اليوم حدذا حديثاً نسبياً. فنهر النيل الحديث ليس إلا مجموعة من الأحواض والأنهار التي إتصل بعضها بالبعض في عصر متأخر جداً لتشكل النهر الذي نعرفه الآن. ويبدو من الأدلة المتاحة أن نشأة النهر الحديث تعود فقط إلى حوالي عشرة آلاف سنة مضت. وتقع البسطات التي يخترقها نهر النيل الحديث في أحواض هي جزء من منظومة الأحواض الداخلية التي تمتلئ بها القارة الأفريقية. وقد نشأت هذه الأحواض نتيجة عملية التحات التي تعرضت لها القارة عبر تاريخها الطويل. وعلى الرغم من أن المياه التي تصل بعض هذه الأحواض قد إستطاعت أن تشق طريقها إلى البحر عبر المرتفعات التي تحيط بها, إلا أن المياه في الكثير منها بقيت دون أي إتصال بالبحر, ومن الأمثلة البارزة لهذه الأحواض الداخلية الأخرى التي لم تصل إلى البحر حوض بحيرة تشاد الذي يغذيها, والمستنقعات قليلة الغور المحيطة بها, نهر "شاري" الذي ينبع من المرتفعات الجنوبية للحوض, ومن أمثلة الأحواض الداخلية الأخرى حوض الجوف الذي يقع إلى الشمال من مدينة "تمبكو" التي تقع في أقحل مناطق الصحراء الكبرى, والتي كان الوصول إليها حتى منتصف هذا القرن صعباً وفي جنوب خط الإستواء يقع حوض "كالاههاري" الي تذهب مياهه في بحيرة "نجامي" والمستنقعات نصف المالحة التي تحدها.

ومن الناحية الأخرى هناك تلك الأحواض التي تقع في المناطق المطيرة من القارة والتي تصلها كميات كبيرة من المياه إستطاعت أن تشق طريقها عبر المرتفعات المحيطة بها وأن تصل إلى البحر. ومن هذه الأحواض حوض "الكونجو" الذي أمكن لمياهه أن تصل إلى المحيط الأطلنطي عبر حافته الغربية عن طريق عدد من الشلالات, وكذلك حوضا "الكوبانجو" و"الكارو" اللذان تنصرف مياههما عب نهري "الزمبيزي" و "الأورانج" إلى المحيط الهندي. وأنهار هذه الأحواض الثلاثة تتجه من الشرق إلى الغرب وكل منها يصرف مياه حوض واحد. أما نهر النيل فله تاريخ معقد, وإتجاهه من الجنوب إلى الشمال ويصرف مياه أكثر من حوض. ويمتد نهر النيل لمسافة تشغل 35 درجة من درجات العرض ويصرف مياه مساحة تقترب من ثلاثين ملايين كيلومتر مربع, ويصل بين مناطق يختلف بعضها عن بعض من حيث التضاريس والمناخ والتركيب الجيولوجي, ومنابع النيل الأساسية الآن هي في هضبة البحيرات الأستوائية التي تمثل الحافة الجنوبية لحوض السودان والمرتفعات الأثيوبية التي تشكل جزءاً من جبال شرق أفريقيا المتلاصقة, والتي يشقها اليوم الأخدود الأفريقي العظيم.




هضبة البحيرات الإستوائية 
منبع نهر النيل باوغندا
 

تقع أحواض بحيرات "فكتوريا" و "كيوجا" و"ألبرت" – المكونة للأحواض الجنوبية لوادي النيل – في هضبة البحيرات الإستوائية, التي إتخذت شكلها الحالي نتيجة الرحكات الأرضية التي كونت أخدود أفريقيا العظيم. ويعتبر هذا الأخدود واحداً من أبرز الظواهر الجغرافية على سطح الأرض. فهو يشكل غوراً يصل طوله إلى قرابة ثلاثة آلاف كيلومتر, إنخسفت فيه الأرض إلى أعماق كبيرة وكأنه شق طويل في قشرة الأرض, وعلى الرغم من أن عمق هذا الأخدود يختلف من مكان إلى مكان, بحيث يبدو وكأنه مكون من أحواض منفصلة, إلا أن هذه الأحواض تشكل في الواقع سلسلة متصلة تمتد على طول محور واحد وتعود إلى أصل واحد. ويمتد الأخدود الأفريقي إلى البحر الأحمر وإمتدادته في بلاد الشام. ويكاد يكون من المؤكد أن هذه الإمتدادات ذات صلة وثيقة بنشاة الأخدود الأفريقي الحقيقي.

ويكون الأخدود الأفريقي من قطاع جنوبي تحتله بحيرة "مالاوي" (نياسا) وقطاع شمالي يتكون من فرعين الفرع الشرقي منهما يبدأ عند بحيرة "رواها", والغربي عند بحيرة "ركوا" ويتميز الفرعان بوجود سلسلة من البحيرات تحتل الأجزاء الواطئة منهما. ويشق الفرع الغربي الهضبة التي تشكل الحد الغبربي لحوض النيل وتقع فيه بحيرات "تنجانيقا" و "كيفو" و "إدوارد" و"ألبرت", وبين البحيرتين الأخيرتين يقع جبل "روينزوري" العظيم. أما الفرع الشرقي نم الأخدود فإنه يشق الهضبة التي تشكل الحد الشرقي لحوض النيل وفيه تقع سلسلة البحيرات التي تبدأ من بحيرة "رواها" في الجنوب وتمتد حتى بحيرة "زوا" في الشمال بداخل أخدود أثيوبيا.

أما هضبة البحيرات نفسها فإنها تبدأ شمال نهر "الزمبيزي" حيث تقع بحيرة "مالاوي" ثم تمتد شمالاً لكي تغطي هضاب تنجانيقا وكينياوأوغندة. وقد تعرضت هذه الشاسعة لعملية تحات ونحر هائلة سوتها وتركتها سطحاً منبسطاً منذ حوالي 10 ملايين إلى 15 ملايين سنة. وقد تعرضت هذا السطح منذ ذلك التاريخ لحركات أرضية هائلة ومتقطعة رفعته إلى منسوبه الحالي الذي يصل إلى حوالي 2000 متر فوق سطح البحر. كما شقته بأخاديد عميقة تكون الآن جزءاً من الفرعين الغربي والشرقي لأخدود أفريقيا العظيم. وبين هذين الفرعين نشات نمطقة منخفضة هي التي تحتلها الآن بحيرة "فكتوريا" وتختلف هذه البحيرة لذلك عن بحيرات الأخدود في ان لها شواطئ متدرجة وغوراً صغيراً, وعلى الرغم من إتساعها الكبير فلا يزيد اكبر أعماقها على مائة متر.

ومن أبرز خواص ذلك الجزء من هضبة البحيرات الذي يقع فيما بين الأخدودين هو إرتفاع سطحه ناحية الأخدودين الشرقي واغربي. وتشكل هاتان الحافتان المرتفعتان اللتان تحدان هذا الجزء من الهضبة خط تقسيم المياه بين حوض النيل وأحواض الأنهار المجاورة في الوقت الحاضر. وفي الماضي, قبل أن ترتفع الحافة الشرقية للأخدود الغربي, كانت أنهار هضبة البحيرات تتجه إلى حوض "الكونجو" فالمحيط الأطلنطي, فلما إرتفعت الحافة في العصر الحديث نسبياً إنعكس مسار الكثير من هذه النهار إلى حوض النيل ومن الأمثلة البارزة لهذه الانهار التي إنعكس مسارها "كاتونجا" (الي يحمل مياه الجزء الشمالي الغربي للهضبة إلى بحيرة "فكتوريا") و "كافو" (الذي يصب في بحيرة "كيوجا") و "الكاجيرا". وكل هذه الأنهار كانت وحتى وقت حديث, تتجه إلى حوض الكونجو. وليس هناك من شك في أن الجزء الأكبر من مياه بحيرة فكتوريا, إن لم يكن وجود البحيرة ذاته, يعود إلى هذا الحادث المهم الذي رفع حافة الهضبة وعكس مسارها ناحية البحيرة فزادت من مياهها. ولا يعرف على وجه التحديد تاريخ هذا الحدث. ولكن الكثير من الباحثين يظنون أنه حدث ف يمنتصف عصر البليستوسين (أي منذ حوالي نصف مليون سنة).

وقد ظلت بحيرة "فكتوريا" بحيرة داخلية دون أي إتصال بأي جزء من نهر النيل لمدة طويلة بعد نشأتها. ولم يتم إتصالها بنهر النيل إلا منذ 12500 سنة قبل الآن. وقد أثبتت دراسة إحدى الجسات التي دقت في قاع البحيرة أن منسوب البحيرة كان أوطأ مما هو عليه الآن بمقدار 26 متراً منذ 14 ألف سنة. فقد تأكد من دراسة حبوب اللقاح التي فصلت من الطبقات التي ترسبت في هذا الوقت والتي لابد أنها تطايرت من نباتات المنطقة المحيطة أن هذه النباتات هي من حشائش "السافانا" مما يشير إلى أن المناخ في ذلك الوقت لابد أنه كان أكثر جفافاً وأقل مطراً مما هو عليه الآن, وأن كمية المياه التي كانت تصل إلى البحيرة كان تقليلة, وبعد ذلك بحوالي 1500 سنة إرتفع منسوب البحيرة نتيجة تزايد الأمطار ووصل إلى منسوبه الحالي تقريباً, فأتيح للمياه الإندفاع خارج البحيرة عبر نيل فكتوريا إلى مجرى النيل. وفي الوقت نفسه زادت الأمطار زيادة كبيرة فإختفت الحشائش وعادت الغابات مرة أخرى إلى للظهور. وقد ظلت الأحوال المناخية مطيرة حتى حوالي 6500 سنة قبل الآن, حين بدأت الأمطار تقل مما سبب زيادة الأشجار النفضية على حساب الأشجار دائمة الخضرة. ولا يوجد أي ديليل على أن بحيرة فكتوريا قد أسهمت بأي كمية من المياه لنهر النيل قبل 12500 سنة من الآن. ويؤكد هذا الإستنتاج وجود رواسب ملحية في النيل الأبيض ترسبت في الفترة بين 140 ألفاً و125 أف سنة قبل الآن, مما يدل على أن هذا النهر لم تكن تصله من هضبة البحيرات الإستوائية مياه عذبة كثيرة. وقد أكدت الدراسات الحديثة التي قامت بها جامعة "ديوك" بالولايات المتحدة على بحيرة فكتوريا هذه النتائج. 

















 

وتتصل بحيرة فكتوريا ببسطة بحيرة "كيوجا" بواسطة نهر سريع الجريان هو نيل فكتوريا, الذي يترك بحيرة فكتوريا عند شلالات "ريبون" ويدخل بحيرة "كيوجا" بعد 64 كيلومتراً. ويسقط هذا النهر من إرتفاع 1135 متراً عند طوله. أما بسطة بحيرة "كيوجا" التي تمتد حوالي 236 كيلومتراً فهي قليلة الإنحدار وتسقط من إرتفاع 1072 متراً إلى 1060 متراً عند مخرجها, أي يمتوسط إنحدار يعادل متراً واحداً لكل 20 كيلومتراً من طولها. وتتصل بحيرة "كيوجا" ببحيرة "ألبرت" بنهر شديد الإنحدار يصل طوله إلى 68 كيلومتراً وإنحداره 505 متر لكل كيلومتر واحد من الطول, ويعوق النهر عدد من الشلالات أهمها هو شلال "كاباريجا" (مرشيزون).

وتمتد بسطة بحيرة "ألبرت" إلى ما بعد مخرج البحيرة لمسافة 255 كيلومتراً حتى بلدة "نيمولي" على الحدود الأوغندية – السودانية, وإنحدار هذا الإمتداد الذي يبدو إنه إمتداد للبحيرة ذاتها صغير جداً, لا يزيد على 2سم في الكيلومتر الواحد, فهو يهبط من إرتفاع 619 متراً عند مخرج البحيرة إلى إرتفاع 614 متراً عند "نيمولي". ويتعرج المجرى الذي يبلغ إتساعه بين 100 و 300 متر في هذا الإمتداد وتسير المياه فيه ببطء وتحيط به المستنقعات التي تغطي مساحة تزيد على 380 كيلومتراً مربعاً.

وفي القوت الحاضر تتصل بحيرة "ألبرت" ببحيرة "إدوارد" عبر نهر "السمليكي" إلا أن هذا الإتصال حديث, ففي ماضي الزمان كانت البحيرتان مغلقتين ليس لأي منهما إتصال بأي رقعة مياه أخرى, مثلهما في ذلك مثل بحيرتي (كيفو) و (تنجانيقا) الآن. وقد إتصلت بحيرتا "ألبرت" و "إدوارد" ببعضهما ثم بوادي النيل في الفترات التي إزدادت فيها الأمطار. وهناك من الأدلة ما يثبت أن بحيرة "ألبرت" إتصلت بحوض النيل فيما بين 28 ألفاً و 25 ألف سنة قبل الآن ومن 18 ألفاً إلى 14 ألف سنة قبل الآن ومنذ 12500 سنة قبل الآن. أما في فترات الجفاف فقد هبط سطح البحيرة في قمة عصر الجليد منذ خمسة عشر ألف سنة قبل الآن إلى أقل من 23 متراً.

ومن الظواهر الجغرافية البارزة جبال "رويزوري" الشاهقة (التي عرفها العرب بإسم جبال القمر) والتي دفعتها إلى علوها الشاهق, اذلي يصل إلى حوالي 5122 متراً فوق سطح البحر أو حوالي أربعة كيلومترات فوق هضبة البحيرات, حركات أرضية حديثة نسبياً بين بحيرتي ألبرت وإدوارد. وتعتبر جبال روبنزوري أعلى جبال أفريقيا غير البركانية وتغطي الثلوج قممها. وفي الوقت الحاضر يوجد بها مالا يقل عن أربعين ثلاجة. وفي العصر الجليدي الأخير, الذي بلغ ذروته قبل 15 ألف سنة كانت هناك ثلاجات أكثر. وقد صاحب تراجع الجليد في هذه المنطقة إرتفاع في درجة الحرارة بلغ حوالي 4.2 درجة مئوية.

ويتم إتصال بسطة ألبرت – نيمولي بمجرى نهر النيل الرئيسي عند "جوبا" بواسطة نهر سريع الجريان شديد الإنحدار يبلغ معدل إنحداره متراً واحداً لكل كيلومتر من مجراه. وبهذا النهر الكثير من الشلالات – ويبلغ طول هذا الجزء من مجر النيل 155 كيلومتراً. وعند مبدئه في "نيمولي" ينعطف النهر بطريقة مفاجئة من الإتجاه الشرقي السائد إلى إتجاه شمالي غربي لمسافة 70 كيلومتراً يتبع النهر فيها الكسر الأرضي الكبير الذي يعرف بإسم فالق "أسوا" (والذي يسير فيه نهر يعرف بهذا الإسم ويصب في نهر النيل), وإنعطاف النهر بهذه الطريقة المفاجئة هو أوضح مثال لتأثير التركيب الجيولوجي في تحديد مجرى النهر.

وخلاصة القول إن شبكة التصريف التي تحتل هضبة البحيرات هي شبكة حديثة التكوين, وقد نتجت عن إتصال عدد من البحيرات والبسطات بواسطة أنهار سريعة لتكون شبكة متكاملة.








الجزء الأول: نشأة وتطور نهر النيل
موجز الجزء الأول














تلخص السطور التالية الجزء الأول من كتاب نهر النيل, وهو الجزء الذي يبحث موضوع نشأة النهر وتطوره منذ أن بدأ تاريخه قبل نحو 6 ملاييت سنة, وقد كتبت هذا الجزء بلغة يسهل فهمها على غير المتخصصين وفيه أعرض لتاريخ النهر دون الدخول في التفاصيل أو نوع الأدلة التي إستنتج منها هذا التاريخ, ويمكن لأولئك الذين يرغبون في الإستزادة أن يسكملوا قراءة هذا الجزء وأن يعودوا إلى المراجع الكثيرة المذكورة في هوامشه.










ولابد أن نتذكر بداية أن الأحداث الجيولوجية التي تشكل ظواهر الأرض مثل تلك التي ترفع الجبال أو تكون الأخاديد أو تسبب إرتفاع سطح البحر أو تقدم خط الجليد, لا تحدث فجأة وفي دفعة واحدة بل إنها بطيئة إلى حد أنها تستغرق الآلاف إن لم يكن الملايين لكي تكتمل أو لكي يظهر تأثيرها كما لابد أن نتذكر كل تواريخ الأحداث المذكورة في هذا الموجز تقريبية ونسبية فيما عدا تلك التي تقل عن الأربعين ألف سنة الأخيرة من عمر الأرض, فالتواريخ السابقة عن الأربعين ألف سنة ليست مطلقة, الكثير منها منسوب إلى أحداث معروفة التاريخ.










وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يعالج نهر النيل في مجموعه إلا أنه يركز على الجزء الذي يمر بمصر بصفة خاصة وبالتفصيل. ولهذه الإستفاضة أسبابها: أولها أن الجزء المصري من النهر هو الذي يدرس أكثر من غيره. فقد كان موضوع بحوث عميقة لعدد من البعثات المشتركة ذات الخبرات المتعددة في الثلاثين عاماً الأخيرة. وثانيها أن ىباراً كثيرة قد حفرت فيه وصل بعضها إلى أعماق كبيرة مست أقدم رواسبه, وأعطت لنا سجلاً يكاد يكون كاملاً لرواسب النهر عبر تاريخه الطويل, هذا بالإضافة إلى أن الجزء المصري من نهر النيل يقع في أدنى النهر مما يجعله حساساً للتغيرات التي تحدث في أعلاه, وتصبح دراسته لذلك مفتاحاً لما يمكن قد حدث في منابعه.










وشكل نهر النيل الذي نعرفه اليوم بمنابعه في هضبة البحيرات والمرتفعات الأثيوبية هو شكل حديث التكوين إتخذه النهر بعد سلسلة طويلة من التغيرات التي مر بها, قبل أن يتخذ شكله الحالي, ويعتبر نهر النيل الحديث نهراً مركباً تكون نتيجة إتصال عدد من الأحواض المستقلة بعضها عن البعض بأنهار نشأت خلال العصر المطير الذي تلا تراجع ثلوج العصر الجليدي الأخير منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام قبل الآن, فنهر النيل هو وليد هذه الفترة المطيرة في تاريخ الأرض, وكان النيل قبل تلك الفترة يتكون من عدد من الأحواض التي شكلت بحيرات داخلية غير متصلة بعضها بالبعض, وكانت هذه الأحواض تفيض فوق جوانبها وتتصل بما يجاورها من أحواض في العصور المطيرة, وتتقلص في مساحتها حتى تجف كلية أو تنكمش إلى مستنقعات متفرقة عندما يسود الجفاف الأرض, وووقد ربطت هذه اليسكات بأنهار ذات إنحدار كبير, ففي الجنوب تقع بسطات فكتوريا وكيوجا وألبرت وهي بسطات ذات إنحدار بسيط نحو الشمال يصل إلى حوالي المتر لكل 20 إلى 50 كيلومتراً, ففي الوقت الذي يصل فيه معدل إنحدار الأنهار التي تصلها ببعضها البعض حوالي متر واحد لكل كيلومتر واحد من المجرى, وإلى الشمال من هذه البسطات يقع إقليم السد الهائل الذي يمتد حوالي 1800كيلومتر بين منجلا والخرطوم, وهو بسطة هائلة مفلطحة ذات إنحدار يصل إلى المتر الواحد لكل 15 كيلومتراً من المجرى في الجنوب ولكل 100 كيلو من المجرى في الشمال. والنهر الذي يوصل هذه البسطة إلى إقليم مصر ذو الإنحدار الذي يصل إلى متر واحد لكل 12 كيلو متراً من المجرى هو النيل النوبي السريع, والملئ بالجنادل والذي لا يزيد متوسط إنحداره على متر واحد لكل ستة كيلومترات من مجراه.
   










وقد تميزت الملايين الستة من السنين, والتي تشكل فيها نهر النيل, بتطورات مناخية كبيرة أثرت على العالم كله ففي هذه الفترة إمتدت ثم عادت فإنكمشت مثالج القطبين والجبال وغطت الثلوج أجزاء كبيرة من سطح الأرض لعدة مرات, وصاحب هذا الإمتداد والأنكماش تغيرات كبيرة في درجة الحرارة وتدرجية الضغط الجوي وكمية الأمطار وتوزيعها وكذلك منسوب سطح البحر. وتركت كل هذه التغيرات أثرها على تاريخ النيل وبالإضافة إلى ذلك فقد شهدت هذه الملايين الستة من السنين حركات أرضية هائلة ونشاطاً بركاينياً كبيراً أثر بشكل اساسي على منطقة منابع النيل, فأعيد خلال هذه الفترة تشكيل الأخدود الأفريقي الكبير ورفعت الجبال من حوله, فتغيرت مجاري الأنهار التي كانت تنبع من الهضبة الإستوائية والمرتفعلا الأثيوبية, لكي تصل إلى وادي النيل, وكانت هذه الأنهار قبل هذه الحركات الأرضية, تتجه ناحية حوض الكونجو فالمحيط الأطلنطي أو الفترة تشكيل الأخدود الأفريقي الكبير ورفعت الجبال من حوله, فتغيرت مجاري الأنهار التي كانت تنبع من الهضبة الإستوائية والمرتفعلا الأثيوبية, لكي تصل إلى وادي النيل, وكانت هذه الأنهار قبل هذه الحركات الأرضية, تتجه ناحية حوض الكونجو فالمحيط الأطلنطي أو إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي على التوالي, كما كان للنشاط البركاني أثره على مجاري التصريف فوق هذه الجبال, فكثيراً ما حولت الطفوح البركانية التي كانت تخرج إلى السطح مجاري الأنهار, وفي الحقيقة فإن مجرى أنهار المرتفعات الأثيوبية قد حددته هذه الطفوح البركانية التي تعطي هذه المرتفعات في سمك كبير.










كان البحر الأحمر مجرد أخدود ضيق وكانت الهضبة الإستوائية عالية ودون بحيرات وكان تصريف المياه فيها يتجه شرقاً إلى المحيط الهندي وغرباً إلى حوض الكونجو, كما كانت هناك جبال عالية بأثيوبيا, كان معظم تصريف مياها يتجه إلى المحيط الهندي وأقله إلى حوض النيل الذي كانت تملأ معظمه بحيرة هائلة. كما كان إقليم مصر معزولاً عن أفريقيا بهضبة النوبة العالية فلم يكن لأنهارها أي إتصال بالجنوب, وقد حدث تصريف المياه عقب تكون الأخدود الأفريقي الكبير وإتخاذه شكلاً يقارب شكله الحديث الذي إنشقت على أثره أرض أفريقيا لتكون أخاديد عميقة إمتلأ الأخدود الغربي منها بسلسلة من البحيرات (تنجانيقا – كيفو – ألبرت) وإمتلأ الشرقي منها الذي إمتد حتى أثيوبيا فالبحر الأحمر بسلسلة البحيرات التي إمتدت من توركانا حتى بحيرات أثيوبيا. كما ظهرت ولأول مرة بين الأخدودين بحيرة فيكتورا. وفي هذا الوقت تحول جزء كبير من تصريف المياه ناحية حوض النيل.










وقد مر مر زمن طويل بعد أن تحول تصريف المياه إلى حوض نهر النيل لكي تصل هذه المياه إلى مصر فالبحر الأبيض المتوسط, فقد كان على هذه المياه أن تخترق هضبة النوبة . . وكانت تلك الهضبة عندما تحولت المياه إلى حوض النيل أكثر إرتفاعاً مما هي الآن وكانت هضبة النوبة حاجزاً هائلاً للمياه التي تكونت في أحواض الجنوب ولا يسع الناظر إلى نيل النوبة الحديث إلا أن يرى أن هذا النهر لا يزال يصارع الأرض التي يمر عليها فلا يزال مجراه الذي يجربي في تأرجحات كبيرة كبيرة مليئاً بالشلالات والمضايق والعقبات.










كان حفر مجرى النيل بمصر نتيجة ظروف فريدة وغير عادية تسببت في تجفيف حوض البحر الأبيض المتوسط وتحويله إلى صحراء جرداء منذ حوالي ستة ملايين ستة, وقد جف البحر بسبب إرتفاع مضيق جبل طارق المكان الوحيد الذي تصل منه مياه المحيط العالي إليه, فلما إمتنع وصول المياه إلى البحر الأبيض المتوسط إنقلب إلى بحيرة أخذت مياهها في التبخر حتى جفت, وقد تراوح عمق هذا الحوض الجاف بين ثلاثة وأربعة كيلومترات, مما أرغم الأنهار القليلة التي كانت تصب في هذا البحر على تعميق مجراها إلى هذا العمق. وفي حالة النيل فقد تعمق مجرى النهر مجرى النهر إلى حوالي أربعة كيلومترات في الشمال وقد شكل هذا النهر (الذي سنسميه بنهر فجر النيل أو الأيونيل Eonil) خانقاً عظيماً كان لايقل في روعته وعمقه عن خانق نهر كولورادو الشهير في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة, وقد غرق هذا الخانق بماء البحر الأبيض المتوسط بعد ذلك عندما وإمتلأ البحر بالماء منذ حوالي خمسة ملاييت وأربعمائة ألف عام. وأصبح الخانق خليجاً بحرياً لأكثر من مليونين من السنوات تلقى بعدها نهراً هائلاً هو ما سميناه النيل القديم (البالونيل Paleonile) وفي هذه الأثناء إمتلأ الخانق بالرواسب. ويبدو أن كلا النهرين الأيونيل والبالونيل كانا ينبعان محلياً من هضاب مصر والنوبة, ولم يكن لهما إتصال بأفريقيا, وقد إنتهت هذه الفترة من تاريخ النيل منذ حوالي مليونين من السنوات.










ولقد مرت فترة طويلة قبل أتن يقيم النهر المصري إتصالاً بافريقيا الإستوائية فمنذ حوالي 800 ألف سنة وقع الحدث الكبير وجاء النهر الذي وصل من أفريقيا, والذي سنسميه نهر ما قبل النيل (بريانيل Prenile) من منطقة منابع النيل الحديثة التي كانت قد تغيرت تضاريسها لكي تقارب شكلها الحديث فتحول تصريف أنهارها إلى حوض النيل وفي تلك الأثناء ولدت بحيرتا تانا بأثيوبيا وفكتوريا بالهضبة الإستوائية.










كان لة من الرمل والحصى التي ترسبها في سهله الفيضي ودلتاه اللذين كانا أكبر مساحة من سهل النيل الحديث ودلتاه, وتظهر الرواسب التي حملها هذا النهر في كل مكان على جانبي نيل مصر ودلتاه وتشكل عنصراً هاماً في المظهر الطبيعي لمصر الحديثة كملا نشكل واجهتها محاجر الرمال التي تزود مصر كلها برمال البناء.










وبعد أن توقف نهر ما قبل النيل من حوالي أربعمائة ألف سنة, وصل إلى مصر نهر أقل قدرة, وهو الذي أسميناه النيل الحديث أو نهر (النيونيل Neonile) وكان إتصال هذا النهر بافريقيا ضعيفاً, فكثيراً ما إنقطع إتصاله بها كل مرة عاد فيها هذا الإتصال كان النهر أقل تصرفاً وأقل عمراً من نهر عمراً ما قبل النيل. ولنهر النيونيل الذي يمتد حتى وقتنا الحاضر أهمية خاصة فقد شهد كل تاريخ الإنسان على أرض مصر إذ ظهر الإنسان في مصر مع بدء هذا النهر.










ويمكن تمييز ثلاث حقب في تطور نهر النيونيل: 1- في الحقبة الأقدم والتي إمتدت بين 400 ألف و200 ألف سنة قل الآن عاصر النهر حقبة مطيرة إنقطع فيها وصول النيل من أفريقا وإمتلأ واديه في مصر بأنهار محلية كانت تحصل على مياهها من جبال البحر الأحمر وهضاب النوبة, وقد تخللت هذه الفترة المطيرة فترة جفاف في مصر وصل فيها أو أنهار النيونيل من أفريقيا (المسمى ألفانيونيل أو النيونيل أ) والذي كان يختلف في رجيمه ونوع رواسبه عن نهر ما قبل النيل ويشبه إلى حد كبير جميع الأنهار ذات الصلة الأفريقية والتي جاءت بعده حتى نهر النيل الحديث, وقد شاهدت فترة الحقبة الأولى المطيرة ظهور إنسان العصر الحجري القديم في مصر.










2- وتميزت الحقبة الثانية والتي إمتدت بين 200 ألف سنة قبل الآن بنهر متقلب له صلة بأفريقيا كان يرتفع وينخفض في سرعة, كما كانت تصله مياه الوديان المحلية, فقد عاصر فترة مطيرة ثانية في مصر شاهدت ظهور إنسان العصر الحجري المتوسط في مصر.










3- أما الحقبة الثالثة والممتدة بين 70 ألف سنة إلى العصر الحديث فقد تزامنت مع العصر الجليدي الأخير ,lu tjvm ومع فترة تراجع ثلوجه منذ حوالي 10 آلاف سنة قبل الآن, وخلال فترة العصر الجليدي قلت أمطار الهضبة الإستوائية واختفت الغابات منها, وجفت منطقة السدو وسد مجرى النيل الأبيض بكثبان رملية سفتها الريح إليه, كما كانت مصر خلال هذا العصر قاحلة تماماً وإختفى الإنسان من صحراوتها بعد أن كان يسكن أمكنة كثيرة فيها. وخلال العصر الجيليدي الأخير وصل إلى مصر نهران وهما النيونيل ب (70 ألفاً إلى 25 ألف سنة قبل الآن) والنيونيل ج (20 ألفاً إلى 12 ألف سنة قل الآن) من المرتفعات الأثيوبية. وكان هذان النهران صغيران وموسمين يجفان خلال فصل الشتاءو وقد جاء النهران محملين برواسب كثيرة رسباها على إرتفاع كبير على جانبي النهر في النوبة وجنوب مصر وليس هناك تفسير مقبول لوجود هذه الرواسب على هذا الإرتفاع الكبير في جنوب مصر غير أن النيل في هذه المنطقة كانت تعترضه شلالات وجنادل تجبر المياه على الإرتفاع خلفها. لقد كان منسوب سطح البحر خلال عصر الجليد الأخير, عندما كانت هذه الأنهار جارية, منخفضاً بنحو مائة متر عن منسوبه الحالي, مما كان يحتم على النهر أن يعمق مجراه لا أن يبنيه على هذه الإرتفاعات التي تشير إليها رواسب هذه الأنهار بجنوب مصر.










وعندما تراجعت ثلوج العصر الجليدي الأخير زادت الأمطار على منابع النيل, وخاصة في الهضبة الإستوائية, فاختفت الحشائش التي سادت الغطاء النباتي لهذه الهضبة خلال عصر الجليد, وعادت الغابات والأشجار إلى الظهور كما زادت المياه في بحيرتي فكتوريا وألبرت حتى فاضت منهما وإتصلت لأول مرة بنهر النيل. وقد كان إندفاع المياه من هذه الهضبة عبر منطقة السدود الجافة شديداً إلى حد أن النيل فاض في مصر فيضاناً شديداً لم يحدث في أي وقت من تاريخه الطويل. وقد إمتدت فترة الفيضانات العالية لحوالي 500 سنة فيما بين سنة 12500 إلى سنة 1200 قبل الآن. ومنذ حوالي 10 آلاف سنة قبل الآن زادت أمطار الهضبة الأثيوبية, بل ومنطقة الساحل الأفريقي كلها كما إمتدت جبهة المطر شمالاً فغطت شمال السودان وجنوب مصر وظلت هذه المناطق ممطرة لمدة 4500 سنبعد ذلك. وبوصول المياه وبغزارة من مصدرين, وهما المرتفعات الأثيوبية وهضبة البحيرات جاء مولد النيل الحديث الذي أصبح مستديماً بعد أن كان موسمياً وقد زادت أمطار شمال السودان وجنوب مصر من مياه هذا النهر في فترته الولى والتي كان منسوب البحر فيها منخفضاً, فساعدت في إزالة الجنادل والعقبات التي كانت تعترض النهر قبل ذلك. وعندما تراجع الجليد وإرتفع منسوب النهر بدأ النهر في ترسيب الرواسب التي كان يحملها في واديه ودلتاه منذ ما بين ثمانية آلاف وسبعة آلاف سنة فتكونت بذلك أرض مصر الخصبة وقد دفعت عملية الترسيب هذه هيرودوت لأن يصف مصر بأنها هبة النيل. 



حوض السد والسودان الأوسط




















يشكل حوض السد والسودان بسطة هائلة قليلة الإنحدار تمتد لمسافة 1767 كيلومتراً بين جوبا والسودان, ويسمى الجزء الجنوبي من هذا الحوض والذي يمتد من جوبا وحتى المكال لمسافة 809 كيلومترات بإقليم السد. وينحدر هذا الجزء من الحوض بنسبة متر واحد لكل 15 كيلومتراً بالطول. وتصل إلى إقليم السد مياه كثيرة تأتيه من إقليم البحيرات الإستوائية ومما يتساقط عليه من أمطارغزيرة , ويفيض جزء كبير من هذا المياه حول جانبي النهر في هذا الإمتداد مكوناً مستنقعات كبيرة ذات غطاء نباتي كثيف. وقبل عام 1961 وهو العام الذي زادت فيه أمطار الهضبة الإستوائية فجأة كانت مساحة إقليم السد تتراواح بين 6500 و 8000 كيلو متر مربع إرتفعت فجأة بعد تزايد الأمطار إلى أكثر من ثلاثة أمثال مساحتها قبل هذا العام.













ويقع الجزء الشمالي من الحوض في منطقة السودان الأوسط ويمتد من الملكال إلى الخرطومم وهو يشكل سهلاً منبسطاً ذي إنحدار بسيط لايزيد عن المتر الواحد لكل مائة متر من المجرى - ويشكل هذا الجزء من النهر من ذلك الجزء الممتد حول بحر العرب إلى الغرب السهل الذي نشأ عند إمتلأ الأحواض العميقة التي شغلت هذه المنطقة منذ نشأتها في مبدأ العصر الجواري (130 مليون نسمة) بالرواسب التي جاءتها من المرتفعات المحيطة التي كانت النباتات تغطيها في معظم الأزمنة - وكانت هذه المنطقة قبل تسويتها بالرواسب التي جاءتها من المرتفعات المحيطة التي كانت بالأحواض العميقة التي شكلت بحيرات داخلية بلا تصريف خارجي كانت تصلها الرواسب من المرتفعات المحيطة بها فترسب في القاع الذي كان يهبط تحت وطأة ثقلها بمعدلات تراوحت بين أقل من المتر إلى المكائة متر لكل مليون سنة من تاريخها الطويل حتى وصل سمك عمود الرواسب الذي تراكم فوق قاعها إلى أكثر من ثلاثة عشر كيلومتراً ويثبت عمود الرواسب في هذه الأحواض القديمة والذي ‘خترقه عديد الآبار التي دقت وراء البحث عن البترول فيها أنها كاتنت تشكل بحيرات داخلية ترواح عمقها من بضعة أمتار إلى عدة مئات الأمتار ولم تنصرف مياهها إلى البحر وأن الرواسب التي ملأتها بحيرية خالصة أو رواسب المياه الآسنة والمستنقعات.













وكانت ذهه البحيرات تملأ أحواضاً نشأت في الأخاديد التي تكونت في هذه المنطقة وشكلت جزءاً من أخاديد الحزام الممتد عبر أفريقيا من نيجيريا في الغرب وحتى الصومال وكينيا في الشرق والتي نشأت عند إنفصال القارة الأفريقية من أمريكا الجنوبية وبدء ظهور المحيط الأطلنطي الجنوبي بين أول العصر الجواري والكديتاوي - وبالسودان أربعة أخاديد أمكن التعرف علهيا هي اخاديد النيل الأزرق وميلوت (والذي يحتل الجزء اكبر من إقليم النيل الأبيض) والمجلد (والذي يحتل الجزء الأكبر من بحر العرب) والبجارة والأخاديد الثلاثة الأول ذات إتجاه شمال غربي أما الأخير فيتجه إلى الجنوب الغربي,وتشكل هذه الأخاديد أحواضاً ذات إمكانيات كبيرة لتواجد البترول والذي إكتشف بالفعل في أخدود المجلد (حقلي بترول الوحدة وهجليج) وأخدود ميلوت (حقل بترول خور أدار).













وتصعب معرفة التفاصيل الكاملة للتاريخ الأخير لهذه الأخاديد بعد أن سوت أرضاً منخفضة ومنبسطة بعد أن إمتلأت بالرواسب وتحديد زمن إنفتاحها على البحر كجزء من نهر النيل الحديث . . ويمكنالقول أن إنفتاح أخدود النيل الأزرق إلى البحر الأبيض المتوسط كان سابقاً لإنفتاح الأخاديد الأخرى والتي يبدو أنها شكلت بحيرة واحدة متصلة خلال عصري البليوسين والبايستوسين - وكان الكثيرون منالباحثين الأوائل قد ضمنوا وجود هذه البحيرة بسبب إنبساط إقليم السودان الأوسط إنبساطاً دفعهم إلى الإعتقاد بان هذه الأقليم لابد وأنه شكل بحيرة مقفلة ومن هؤلاء ولكوكس مهندس الري المشهور ولوسون وجون بول. وقد رسم الأخير حد هذه البحيرة عند خط كونتور 400 وهو الإرتفاع الذي يتوقف عنده نمو حشائش إقليم السد في الوقت الحاضر - وإذا أخذنا أبعاد البحيرة كما إقترحها جون بول فإننا أمام بحيرة هائلة طولها حوالي 1050 كيلومتراً وعرضها حوالي 530 كيلومتراً - وهناك منالدلائل ما يؤيد أن هذه المنطقة لابد وأنها كانت بالفعل وحتى وقت قريب بحيرة واحدة أو عدد من البحيرات الداخلية - ويبدو من نتائج دراسة بقايا حفريات الرواسب القديمة لوادي النيل بمصر أن أحوال هذه البحيرة بعد هذا الإتصال الذي صفى معظم مياهها حسب تقلبات المناخ - ففي خلال عصر الجليد الأخير واذلي بغلت ذروته منذ حوالي 15.000 سنة مضت تقلصت هذه البحيرة وتحولت لى برك صغيرة متفرقة نتيجة الجفاف اذلي حل بالمنطقة وتناثر فوقها الكثير من الكثبان الرملية وربما حدث الشئ نفسه في العصر الجليدي السابق للأخير والذي إمتد للفترة بين 120, 180 ألف سنة مضت - ويبدو أن الأملاح التي تكونت في قاع البحيرة خلال هذين العصرين عندما حل الجفاف قد تركت أثرها على خزنات المياه الأرضية التي أملحت وخاصة في منطقة السودان الأوسط. 

 وفاء النيل واسطورة عروس النيل


 يحكى ان المصريين القدماء كانو يعتبرون النيل (اله) الخير والنماءوالخصب...لانه شريان الحياه فى

مصر الحبيبه.وكان النيل يفيض بالخير ويعم الرخاء وتزرع البلاد كل انواع المحاصيل.....

لكن فى سنه من السنين ابى النيل الا تفيض مياهه وحل الجدب والقحط على ارض مصر وتعذب المصريون

اشار الكاهن على الملك بان النيل غضبان لانه يريد الزواج وتكون له زريه......


فنهالت الفتيات تريد الزواج من اله الخيرفكانت تقيم المراسم والاحتفالاتويقوم الكاهن باختيار اجمل فتاة

وبعد الانتهاء من المراسم تقوم العروس وترمى نفسها فى النيل وهى سعيدة راضية لانها ستلتقى بحبيبها

وبا له الخير فى العالم الاخر واستمر الاحتفال سنوات وسنوات حتى انه لم يجد فتيات لهذا الامر ولكن الكاهن اصر

على الاحتفال

فلم يجدوا الا بنت الملك وكانت جميلة وفاتنة ولها خادمة تقوم على رعايتها وتحبها حب لا يوصف

فحزنت الخادمة وارادت ان تحتفظ ببنت الملك حتى لو انتهى الامر بعدم فيضان النيل فاخذت تفكر وتفكر حتى هداها

تفكيرها الى ان تصنع دمية شبيهة ببنت الملك صورة طبق الاصل لا يفرقها الا وجود الروح فيها وقالت للملك ان

الاحتفالات ستقام فى موعدها رغم اننى حزينة على فراق ابنتك الغالية ثم قامت بتزين العروس وصممت ان تلقيها

بيدها هى فى النيل لتزفها الى حبيبها بيدها وتمت المراسم وانتهى الحفل واصاب الملك كابة ويأس وحزن شديد

على فراق ابنته الغالية حتى اصبح طريح الفراش

وهو لايدرى ان الخادمة قد اخفت البنت فى بيتها وبين اولادها ولما رأت حزن الملك وازدياد مرضه يوما بعد يوم

اشفقت عليه بعد ان كانت ستاخذ البنت لنفسها وتربيها على انها ابنتها لانها فى الواقع اصبحت فى نظر الجميع

"عروسة نيل"

وفى احد الايام وبعد ان اشرقت الشمس وطل الصباح بنوره الوضاء اخذت الخادمة البنت وقالت للملك :

هذه ابنتك سليمة معافاة لم يصبها اذى ولم تمس بسوء وكانت عندى معززة مكرمة

لم يتمالك الملك نفسه واخذ يحتضن ابنته بطريقة هستيرية وشكر الخادمة وقربها اليه واعطاها الكثير من الهدايا

مما لا يقدر بثمن

وبعد ذلك فى كل عام يصنعون دمية جميلة ويقيمون الاحتفالات ثم يرمون الدمية اللى النهر العظيم

ومن هنا سميت باسطورة


( عروس النيل )


مع 
تحياتى
















1 التعليقات:

  1. منظر نهر النيل من شرفة غرفة كبيرة بديكورات جميله مع كوب من الشاى المستورد ، انه لاسترخاء يبحث عنه الكثيرين ، ويمكنك التمتع بهذا المناخ من الاسترخاء فى فندق رمسيس هيلتون ، للحجز به اتصل على شركة جراند ماجيك على 00201009228491
    http://grandmagiceg.com/hotel/ramses-hilton/

    ردحذف