Snippet

وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم

لحظات وفاة النبي 

قبل الوفاة كانت آخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وبينما هو هناك ينزل قول الله عز وجل (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فبكى أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم" ما يبكيك في الآية" فقال : "هذا نعي رسول الله عليه السلام". 
ورجع الرسول من حجة الوداع وقل الوفاة بتسعة أيام نزلت آخر آية في القرآن (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون). 
وبدأ الوجع يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال اريد ان ازور شهداء احد، فراح لشهداء احد ووقف على قبور الشهداء وقال: السلام عليكم يا شهداء احد انت السابقون ونحن انشالله بكم لاحقون واني بكم انشالله لاحق. وهو راجع بكى الرسول فقالوا: "ما يبكيك يا رسول الله" قال:" اشتقت لأخواني" قالوا: "اولسنا اخوانك يا رسول الله " قال: "لا انتم اصحابي اما اخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني". 
أدعوا الله أن نكون منهم ...

وقبل الوفاة بثلاث ايام بدأ الوجع يشتد عليه وكان ببيت السيدة ميمونة فقال: "اجمعوا زوجاتي" فجمعت الزوجات فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أتأذنون لي ان امر ببيت عائشة فقلن آذنا لك يا رسول الله". فأراد ان يقوم فما استطاع فجاء علي بن ابي طالب والفضل بن العباس فحملوا النبي فطلعوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة فالصحابة اول مرة يروا النبي محمول على الايادي فتجمع الصحابة وقالوا: "مالِ رسول الله مالِ رسول الله" وتبدأ الناس تتجمع بالمسجد ويبدأ المسجد يمتلأ بالصحابة ويحمل النبي إلى بيت عائشة فيبدأ الرسول يعرق ويعرق ويعرق وتقول السيدة عائشة:" انا بعمري لم ارى أي انسان يعرق بهذه الكثافة" فتأخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده ،( فلماذا تمسح بيده هو وليس بيدها) تقول عائشة: "ان يد رسول الله اطيب واكرم من يدي فلذلك امسح عرقه بيده هو وليس بيدي انا" (فهذا تقدير للنبي) 

تقول السيدة عائشة فأ سمعه يقول: "لا إله الا الله ان للموت لسكرات، لا إله إلا الله ان للموت لسكرات" فكثر اللفظ أي (بدأ الصوت داخل المسجد يعلو) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذا؟" فقالت عائشة: "ان الناس يخافون عليك يا رسول الله" فقال: "احملوني إليهم" فاراد ان يقوم فما استطاع، فصبوا عليه سبع قرب من الماء لكي يفيق فحمل النبي وصعد به الى المنبر 

فكانت اخر خطبة لرسول الله صل ى الله عليه وسلم 


واخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر كلمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي : "ايها الناس كأنكم تخافون علي" قالوا: "نعم يا رسول الله" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ايها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله ولكأني انظر اليه من مقامي هذا، ايها الناس و الله ما الفقر اخشى عليكم ولكني اخشى عليكم الدنيا ان تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ايها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة" تعني (حلفتكم بالله حافظوا على الصلاة) فظل يرددها ثم قال: "ايها الناس اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيرا"ً ثم قال: "ايها الناس ان عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فأختار ما عند الله" فما احد فهم من هو العبد الذي يقصده فقد كان يقصد نفسه ان الله خيّره ولم يفهم سوى ابو بكر الصديق وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأنه على رؤوسهم الطير فلما سمع ابو بكر كلام الرسول فلم يتمالك نفسه فعلا نحيبه (البكاء مع الشهقة) وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: "فديناك بأبائنا يا رسول الله فديناك بأمهاتنا يا رسول الله فديناك بأولادنا يا رسول الله فديناك بأزواجنا يا رسول الله فديناك بأموالنا يا رسول الله" ويردد ويردد فنظر الناس إلى ابو بكر شظراً (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول: "ايها الناس فما منكم من احد كان له عندنا من فضل الا كافأناه به الا ابو بكر فلم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله تعالى عز وجل كل الابواب إلى المسجد تسد إلا ابواب ابو بكر لا يسد ابدا" 

ثم بدأ يدعي لهم ويقول اخر دعوات قبل الوفاة : "اراكم الله حفظكم الله نصركم الله ثبتكم الله ايدكم الله حفظكم الله" واخر كلمة قبل ان ينزل عن المنبر موجه للأمه من على منبره "ايها الناس اقرءوا مني السلام على من تبعني من امتي إلى يوم القيامة" وحُمل مرة اخرى إلى بيته. 

دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن ابو بكر وكان بيده سواك فظل النبي ينظر إلى السواك ولم يستطع ان يقول اريد السواك فقالت عائشة "فهمت من نظرات عينيه انه يريد السواك فأخذت السواك من يد الرجل فأستكت به (أي وضعته بفمها) لكي الينه للنبي واعطيته اياه فكان اخر شي دخل إلى جوف النبي هو ريقي"( ريق عائشة) فتقول عائشة: "كان من فضل ربي عليّ انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل ان يموت". 

ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها. بكت لأنها كانت معتادة كلما دخلت على الرسول وقف وقبلها بين عينيها ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها الرسول: "ادني مني يا فاطمة" فهمس لها بأذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: "ادني مني يا فاطمة" فهمس لها مرة اخرى بأذنها فضحكت فبعد وفاة الرسول سألوا فاطمة "ماذا همس لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت!" قالت فاطمة: "لأول مرة قال لي يا فاطمة اني ميت الليلة. فبكيت! ولما وجد بكائي رجع وقال لي: انت يا فاطمة اول أهلي لحاقاً بي. فضحكت!" 

ثم قال الرسول: "اخرجوا من عندي بالبيت " وقال "ادني مني يا عائشة" ونام على صدر زوجته السيدة عائشة فقالت السيدة عائشة: "كان يرفع يده للسماء ويقول (بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الأعلى) فتعرف من خلال كلامه انه يُخّير بين حياة ا لدنيا او الرفيق الأعلى". 

فدخل الملك جبريل على النبي وقال: "ملك الموت بالباب ويستأذن ان يدخل عليك وما استأذن من احد قبلك" فقال له "إذن له يا جبريل" ودخل ملك الموت وقال: "السلام عليك يا رسول الله أرسلني الله اخيرك بين البقاء في الدنيا وبين ان تلحق بالله " فقال النبي: "بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى" وقف ملك الموت عند رأس النبي (كما سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: "ايتها الروح الطيبة روح محمد ابن عبدالله اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضي غير غضبان" 

تقول السيدة عائشة: "فسقطت يد النبي وثقل رأسه على صدري فقد علمت انه قد مات" وتقول "ما ادري ما افعل فما كان مني الا ان خرجت من حجرتي إلى المسجد حيث الصحابة وقلت .....مات رسول الله مات رسول الله مات رسول الله فأنفجر المسجد بالبكاء فهذا علي إبن أبي طالب أُقعد من هول الخبر، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً وهذا عمر بن الخطاب قال: اذا احد قال انه قد مات سأقطع راسه بسيفي انما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه اما أثبت الناس كان ابو بكر رضى الله عنه فدخل على النبي وحضنه وقال واخليلاه واحبيباه واابتاه وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً فخرج ابو بكر رضى الله عنه إلى الناس وقال: من كان يعبد محمد فمحمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باقي حي لا يموت ثم خرجت ابكي وابحث عن مكان لأكون وحدي وابكي لوحدي.


وفاة الرسول وأثره على الصحابة


إلى الرفيق الأعلى
ثم جاء يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11هـ، وهو اليوم الذي شهد أعظم مصيبة في تاريخ البشرية، وأشد كارثة تعرض لها المسلمون، هذا هو اليوم الذي شهد وفاة الرسول .
يقول أنس بن مالك ، كما روى أحمد والدارمي: ما رأيت يومًا قَطُّ كان أحسن، ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ، وما رأيت يومًا كان أقبح، ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله .

وسبحان الذي ثبت الصحابة في ذلك اليوم، وشتان بين بداية هذا اليوم وبين نهايته، لقد صلى أبو بكر  صلاة الصبح بالناس، وكانت هذه هي الصلاة السابعة عشرة التي يصليها بالناس في وجود الرسول ، وفي أثناء هذه الصلاة حدث أمر أسعد المسلمين كثيرًا، وعوضهم عن ألم الأيام السابقة التي مرض فيها الرسول ، وأَتْركُ أنس بن مالك يصف لنا هذا الأمر كما رواه البخاري ومسلم، يقول أنس : كان أبو بكر يصلي بنا في وجع النبي  الذي تُوُفِّي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي  ستر الحجرة -حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها- ينظر إلينا، وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف. عبارة عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته. ثم تبسم يضحك. سعيد برؤيتهم يصلون مجتمعين وراء أبي بكر. فهممنا أن نفتن من الفرح برؤية النبي .

كادوا يخرجون من الصلاة عندما رأوا النبي  من شدة الفرح. فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي  خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي  أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، ولم يأتِ عليه  في الدنيا صلاة أخرى.

ولما ارتقى الضحى من ذلك اليوم دعا رسول الله  ابنته فاطمة رضي الله عنها، وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها كما جاء في البخاري ومسلم أن أزواج النبي  كانوا عنده حين أقبلت فاطمة رضي الله عنها، فلما رآها رسول الله رَحّب قائلاً: "مَرْحبًا بِابْنَتِي".

وهي ابنته الوحيدة المتبقية على قيد الحياة، فقد مات كل أولاده، وكل بناته في حياته .

ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سَارَّهَا، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله  بالسر من بيننا ثم أنت تبكين؟!
فلما قام رسول الله  سألتها: عم سارَّكِ؟
قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله  سره.
فلما توفي، قلت لها: عزمت بما لي عليك من الحق لما أخبرتني.
قالت: أما الآن، فنعم.
فأخبرتني، قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضه به العام مرتين، "ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك".
قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، قال: "يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نسا هذه الأمة؟".
قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت.
وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم أيضًا أنه أسر لها كذلك بأنها أول أهل بيته موتًا بعده .
وقد أضحكها ذلك لأنها ستلقى الأحبة، ستلقى أباها رسول الله ، وتلقى أمها خديجة رضي الله عنها، وتلقى المؤمنين الذين سبقوا، بل وتلقى رب العالمين {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].

ومع ذلك ففاطمة -رضي الله عنها- كانت تشاهد الألم والمعاناة التي يشعر بها الحبيب ، وذلك دفعها كما في رواية البخاري عن أنس ، أن تقول: واكرب أباه. لكن الرسول  طمْأَنها قائلاً: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ".

وصدق رسول الله ، فكيف يشعر بالكرب من رأى مقعده من الجنة، وهو حي على وجه الأرض، وعموم المؤمنين يرون مقاعدهم من الجنة بعد أن يموتوا، وذلك في قبورهم، ولكن الأنبياء يبشرون بذلك في دنياهم قبل موتهم، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  كان يقول وهو صحيح -أي: وهو في صحته قبل أن يمرض-: "إِنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ".

أي يخير بين الموت وبين البقاء في الدنيا.

وقد رأى رسول الله  مقعده من الجنة، وخُيّر بين الموت والحياة، فاختار لقاء الله ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فلما نزل به، ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف.
وكأنه يرى مقعده من الجنة، ويعرض عليه التخيير.
ثم قال: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى".

فاختار لقاء الله ، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: إذن لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به، وهو صحيح. أي في زمان صحته .
وأخذ الألم يشتد برسول الله ، وقال رسول الله  لعائشة رضي الله عنها كما روى البخاري: "مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ".
ويقصد الشاة المسمومة التي أعدها له اليهود، وأخذ منها  لقمة ثم لفظها، ثم قال رسول الله : "فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ". والأبهر هو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات الإنسان.

والرسول  يرجع مرضه وموته إلى أثر السم على عرق الأبهر، ولا يستبعد أن يُبقِي اللهُ  ألمَ السم وأثره في جسمه ثلاث سنوات وأكثر؛ حتى يعطي رسولَه  مع درجة النبوة درجة الشهادة.

واقتربت اللحظات الأخيرة من حياته ، وهو يريد أن ينصح أمته حتى آخر أنفاسه، فيروي أحمد وابن ماجه عن أنس  قال: كانت عامة وصية رسول الله حين حضره الموت: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".

حتى جعل رسول الله  يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه. فهاتان وصيتان عظيمتان منه  في وقت حرج للغاية، فهو يوصي  بالصلاة، وكذلك يوصي بالرقيق والعبيد، ويجمع بينهما لكي يؤكد على وجوب الإحسان إلى الرقيق.

وفي رواية أبي داود عن علي بن أبي طالب ، يقول علي: كان آخر كلام رسول الله : "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".

ثم كانت آخر دقائق في حياة الحبيب ، يروي البخاري أن السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: "إن من نِعم الله عليَّ أن رسول الله  تُوُفِّي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْرِي ونحري".
والسَّحْر هو الرئة أو الصدر، والنحر هو الرقبة، وكان  عند الوفاة مُسنِدًا رأسه إلى صدر ورقبة عائشة رضي الله عنها، ثم تكمل عائشة وتقول: "وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته".

ثم تفسر ذلك الكلام وتقول: دخل عبد الرحمن (ابن أبي بكر، وهو أخوها)، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله ، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أنْ نَعَمْ ( لا يقوى على الكلام )، فتناولته فاشتد عليه (لم يستطع أن يستاك بالسواك الجاف)، وقلت: أليّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فليّنته، فأَمَرّه ( وفي رواية: أنه استنَّ بها كأحسن ما كان مستنًّا)، وبين يديه ركوة -إناء من جلد- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه يقول: "لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ".

وفي رواية عن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ".
سبحان الله! حتى على رسول الله ، حتى على أحب خلق الله إلى الله ، إن للموت سكرات، وعندما فرغ من السواك  ورفع يده أو إصبعه، وشخص ببصره نحو السقف، وتحركت شفتاه بكلمات يتمتم بها في صوت خفيض، أصغت عائشة إلى آخر ما يقول  من كلمات في حياته، فسمعته يقول: "مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". ثم مالت يده، وقبضت روحه .

طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله !!
مات رسول الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون، حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، كل البشر يموتون، ورسول الله بشر، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمر: 30].

وها قد جاءت اللحظة الأليمة، لقد مات رسول الله ، وأظلمت مدينة رسول الله ، لقد نَوّرها رسول الله  يوم دخلها، فتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة، ولقد أظلمت المدينة نفسها يوم مات الحبيب ، بل لقد أظلمت الدنيا بأسرها، وليس هذا مبالغة فالرسول  ليس مجرد رجل عظيم، أو قائد فذّ، أو مفكر عملاق فقدته البشرية، إنما هو في حقيقته الأصيلة آخر رسول من رب العالمين إلى الناس.

لقد قضى الله  أن يخاطب عباده ويأمرهم وينهاهم ويوجههم ويهديهم عن طريق إرسال رسل منه إليهم، وعاشت البشرية بهذه الطريقة فترة طويلة من الزمان، ثم شاء الله  أن يختم رسالاته إلى الناس برسالة الإسلام، وشاء I أن يجعل آخر المبعوثين منه إلى الخلق هو رسول الله ، والآن مات آخر رسول من رب العالمين، وليس هناك رسل أو رسالات بعده، فأي مصيبة! وأي كارثة.

لا شك أن الفتن ستقبل وتقبل وتقبل بعد وفاته ، وعلى الناس أن يتوقعوا ظلامًا في فترات كثيرة مقبلة، والرسول أخبر عن فتنة من هذا النوع ستأتي على أمته، روى مسلم عن أبي هريرة: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".

بل إن الرسول  ربط اشتداد هذه الفتنة بموته ، فقد روى مسلم عن أبي بُرْدَةَ  أن رسول الله  قال: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ".

والمقصود بالوعد هنا هو الفتنة والحروب، كما يقول النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم.

لقد كان موته  فتنة حقيقية للأمة الإسلامية، لكن لا شك أن الفتنة كانت أعظم ما يكون عند أصحابه ، فليس من رأى كمن سمع، وليس من عاش وخالط كمن قرأ كتابًا، أو سمع محاضرة، لا شك أن مصيبة الصحابة بفقد رسول الله كانت أعظم وأجَلّ من مصيبة أي مسلم في الحبيب .

لقد اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، حتى ذهل بعضهم فلا يستطيع التفكير، وقعد بعضهم لا يستطيع القيام، وسكت بعضهم لا يستطيع الكلام، وأنكر بعضهم لا يستطيع التصديق، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله مات وأبو بكر بالسُّنْح (يعني بالعالية مسكن زوجته، ميل إلى المسجد النبوي)، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله .

يقول ذلك وهو يعتقد بعدم موته تمام الاعتقاد، حتى إنه يقول في رواية أخرى: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك.

أي لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر: وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات.

وفي رواية يقول: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله  تُوُفِّي، إن رسول الله  ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات.

كان هذا موقف عمر ، وما أدراك من هو عمر! يقول رسول الله  فيما رواه الترمذي، وهو يتحدث عن أصحابه: "أَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ".

هذا هو أثر المصيبة على أشد الصحابة في أمر الله سيدنا عمر بن الخطاب

ويقول  فيما رواه البخاري عن أبي هريرة : "لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ".
هذا هو أثر المصيبة على المُحَدَّث في أمة الإسلام.
انظروا إلى عمر  لتعلموا عظم أثر المصيبة على الصحابة .

ظل المسلمون على هذه الحالة يتمنون صدق كلام عمر، حتى جاء الصديق ، ودخل مسرعًا إلى بيت رسول الله ، وبيت ابنته عائشة رضي الله عنها، فوجد رسول الله  نائمًا على فراشه، وقد غطوا وجهه، فكشف عن وجهه، وفي لحظة أدرك الحقيقة المرة، لقد مات رسول الله  فعلاً، بكى أبو بكر الصديق بكاءً مُرًّا، الرسول  كان بالنسبة له كل شيء، لم يكن رسولاً بالنسبة لأبي بكر فقط، ولكنه كان صاحبًا، وموطن سرّ، ومبشرًا، ومطمئنًا، وزوجًا لابنته، ورئيسًا للدولة، وهاديًا لطريقه، ومع ذلك إلا أن الله  أنزل على الصّدّيق ثباتًا عجيبًا، ولو لم يكن له من المواقف في الإسلام إلا هذا الموقف لكفَى دليلاً على عظمته، ولكن سبحان الله ما أكثر مواقفه العظيمة!!

لقد أكبَّ أبو بكر الصديق  على حبيبه ، فقبَّل جبهته، ثم قال -وهو يضع يديه على صدغي الرسول -: وانبياه، واخليلاه، واصفياه!!

ثم تماسك قائلاً: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده، لا يذيقك الله الموتتين أبدًا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد مُتَّها.
ثم أسرع الصديق خارجًا إلى الناس ليسكن من رَوْعهم، وليثبتهم في مصيبتهم، فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن رسول الله  لم يمت، فقال: أيها الحالف على رِسْلِك.

وفي رواية قال له: اجلس يا عمر.

لكن عمر لم يكن يسمع شيئًا، فلقد فقد كل قدرة على التفكير، فتركه أبو بكر ، واتجه إلى الناس يخاطبهم، فأقبل الناس عليه، وتركوا عمر، فخطب فيهم خطبته المشهورة الموفَّقة، التي تعتبر -على قصرها- من أهم الخطب في تاريخ البشرية، فقد ثبت الله  بها أمة كادت أن تضل، وأوشكت أن تُفتن، قال الصديق  في حزم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ألا من كان يعبد محمدًا  فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

ينبه الصديق بفقه عميق على حقيقة الأمر، ويضعه في حجمه الطبيعي، فبرغم عظم المصيبة إلا أنه يجب ألا تخرجكم عن شعوركم وحكمتكم وإيمانكم.

حقيقة الأمر أن رسول الله  بشر، وحقيقة الأمر أن البشر جميعًا يموتون، وحقيقة الأمر أننا ما عبدناه لحظة، ولكننا جميعًا عبدنا رب العالمين I، والله حي لا يموت، فلا داعي للاختلاط، ولا داعي للفتنة، ولا داعي للاضطراب، ما حدث كان أمرًا متوقعًا، وربنا الذي يرى ردّ فعلنا حي لا يموت، ويجزينا على صبرنا، ويعاقبنا على جزعنا.

ثم قرأ الصديق  في توفيق عجيب آية من آيات سورة آل عمران، تبصر المسلمين بالحقيقة كاملة، وتعرفهم بما يجب عليهم فيها، قرأ الصديق : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر -مع أنها نزلت منذ أكثر من سبع سنوات- فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.

لقد أدرك الناس ساعتها أن رسول الله قد مات، لقد أخرجت الآية الكريمة المسلمين من أوهام الأحلام إلى حقيقة الموت، يقول عمر بن الخطاب : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي  قد مات.

ما تحمل عمر العملاق  المصيبة، فسقط مغشيًّا عليه، وارتفع البكاء في كل أنحاء المدينة المنورة.

يقول أبو ذؤيب الهذلي رحمه الله -من التابعين كان مسلمًا على عهد النبي  ولم يره-: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء، كضجيج الحجيج أهلّوا جميعًا بالإحرام، فقلت: مه؟

فقالوا: قبض رسول الله .

وقامت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله  كما روى البخاري عن أنس : يا أبتاهْ، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه مَنْ جنة الفردوس مأوه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه.
وأثرت المصيبة تأثيرًا شديدًا على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكانت تقول كما جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: "مات رسول الله  بين سحري ونحري، وفي دولتي (أي: يومي) لم أظلم فيه أحدًا، فمن سفهي وحداثة سني -كانت في التاسعة عشرة من عمرها- أن رسول الله قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمتُ ألتدم (أضرب صدري) مع النساء، وأضرب وجهي".
لقد كانت مصيبة أخرجت معظم الحكماء عن حكمتهم، لكن الحمد لله الذي مَنَّ على الأمة بأبي بكر الصديق ، فقد ثبت الله  الأمة بكاملها بثباته هو.

قصائد وشعر فى حب الرسول ورثائه


قصيده للأمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه قالها بعد وفاه الرسول الكريم 

أَمِـن بَـعـدِ تَـكـفـينِ النَبِيِّ iiوَدَفنِهِ
نَـعـيـشُ بِـآلاءٍ وَنَـجـنَحُ iiلِلسَلوى
رُزِئـنـا رَسـولَ الـلَهِ حَقّاً فَلَن iiنَرى
بِـذاكَ عَـديـلاً مـا حَيينا مِنَ iiالرَدى
وُكُـنـتَ لَـنا كَالحُصنِ مِن دونِ iiأَهلِهِ
لَـهُ مَـعـقَـلٌ حِرزٌ حَريزٌ مِن iiالعِدى
وَكُـنـا بِـهِ شُـمُّ الأُنـوفِ بِـنَـحوِهِ
عَـلـى مَـوضِعٍ لا يُستطاعُ وَلا iiيُرى
وَكُـنّـا بِـمَـرآكُم نَرى النورَ iiوَالهُدى
صَـبـاحَ مَـسـاءَ راحَ فينا أَو اِغتَدى
لَـقَـد غَـشِـيَـتـنا ظُلمَةٌ بِعدَ iiفَقدِكُم
نَـهـاراً وَقَـد زادَت عَلى ظُلمَةِ iiالدُجى
فَـيـا خَـيرَ مَن ضَمَّ الجَوانِحَ وَالحَشا
وَيـا خَـيـرَ مَيتٍ ضَمّهُ التُربُ iiوَالثَرى
كَـأَنَّ أُمـورَ الـنـاسِ بَـعدَكَ iiضُمِّنَت
سَـفـينَةُ مَوجٍ حينَ في البَحرِ قَد سَما
وَضـاقَ فَـضـاءُ الأَرضِ عَنّا iiبِرَحبِهِ
لَـفَـقـدِ رَسـولِ اللَهِ إِذ قيلَ قَد مَضى
فَـقَـد نَـزَلَـت بِـالمُسلِمينَ iiمُصيبَةٌ
كَصَدعِ الصَفا لا صَدعٍ لِلشَعبِ في الصَفا

شعر حسان بن ثابت عن 
وفاة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم

في جنـةٍ تثنـي عيـونَ الحسـدِ
في جنةِ الفردوسِ واكتبهـا لنـا
يا ذا الجلالِ وذا العلا والسـؤددِ
واللهِ أسمـعُ مـا بقيـتُ بهالـكٍ 
إلا بكيـتُ علـى النبـيّ محمـدِ
يا ويحَ أنصارِ النبـيِّ ورهطـهِ، 
بعدَ المغيبِ فـي سـواءِ الملحـدِ
ضاقتْ بالأنصارِ البلادُ فأصبحتْ 
سوداً وجوههـمُ كلـونِ الإثمـدِ
ولقـدْ ولدنـاهُ، وفينـا قـبـرهُ، 
وفضولُ نعمتـهِ بنـا لـمْ يجحـدِ
واللهُ أكرمنـا بـهِ وهـدى بــهِ 
أنصارهُ في كـلّ ساعـةِ مشهـدِ
صلى الإلهُ ومنْ يحـفُّ بعرشـهِ 
والطيبونَ على المبـاركِ أحمـدِ

عبر وعظات .. من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم


الحمد لله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما، خلق فسوى، وقدَّر فهدى، ومن كل شيء أعطى، أحمده سبحانه وله الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وبعثه بالنذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد، فأقام على هذا سنين، ثم عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة، فلما استقر بها أمره الله ببقية شرائع الإسلام، كالصيام والحج والجهاد، فلما أبلغ الله الدين وأتم النعمة ودخل الناس في دين الله أفواجا، أنزل عليه قوله: ((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه الله إياه". فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن دينه باق إلى قيام الساعة.

معاشر المؤمنين .. إن وفاته صلى الله عليه وسلم فيها كثير من العبر والمواعظ، فهو رسول رب العالمين، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

فمن هذه العبر : أن خير أعماله خواتيمها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما، وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عرض القرآن مرتين) متفق عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك) خرجه مسلم في الصحيح. ففي فعله صلى الله عليه وسلم هذا إرشاد لأمته بأن يجتهدوا في العمل الصالح؛ ليلقوا الله على خير حال، فإن الأعمال بالخواتيم.

لقد ودَّع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته قبل وفاته، وأوصى بوصايا عظيمة، عن جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: (إن الشيطان قد يأس أن يُعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه) الحديث رواه الحاكم. وقال أبو أمامة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب الناس في حجة الوداع: (يا أيها الناس أطيعوا ربكم و صلوا خمسكم وأدوا زكاة أموالكم وصوموا شهركم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم) رواه الحاكم وصححه .

ثم إن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ودع الأحياء والأموات، قال عقبة بن عامر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاة الميت بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم صعد المنبر فقال: إني بين أيديكم فرط لكم، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، فإني والله أنظر إلى حوضي الآن من مقامي هذا، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم) قال عقبة: وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. أخرجه البخاري.

وأما بداية مرضه صلى الله عليه وسلم فإنه لما رجع من حجة الوداع في ذي الحجة، أقام في المدينة بقية الشهر ومحرما وصفرا، وجهز جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فبينما الناس على ذلك، ابتدأ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من صفر، وأول ما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه في بيت ميمونة رضي الله عنها، قالت عائشة رضي الله عنها: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه، استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذنَّ له، فخرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر وهو علي بن أبي طالب) خرجه البخاري.

وكان صلى الله عليه وسلم حريصا أن يكون إمام الناس في صلاتهم صاحبه أبابكر رضي الله عنه، قالت عائشة: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف –أي: شديد الحزن- وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس -تعني: من بكائه عند القراءة- فلو أمرت عمر، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قم مكانك، فجاء صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر رضي الله عنه).

ثم إنه صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه يوم الخميس قبل أن يموت بخمسة أيام، خطبهم خطبة عظيمة، قال جندب رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذ من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم، كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم. وخطبهم صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن الله خيره بين الدنيا والآخرة، قال أبو سعيد: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله خير عبدا الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ -أبي بكر- يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عند الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا! قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبدَ المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لا تبك، إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته).

ثم اشتد المرض بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقالت رضي الله عنها: لما نُزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا) صلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار. قال أنس رضي الله عنه: (لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم).

من وصاياه صلى الله عليه وسلم عند موته وهو يفارق الدنيا قوله: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به)، وسئل عبدالله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أوصى بكتاب الله عز وجل" يعني: أوصى بحفظه والعمل به، قال أنس رضي الله عنه: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره ولا يكاد يفيض بها لسانه) رواه أحمد بسند صحيح.

قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فسمعت رسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحة شديدة يقول: ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً)) قالت: فظننته خُير حينئذ) وفي رواية أنها قالت: (لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى، فقلت: إذن لا يختارنا، قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مع الرفيق الأعلى، وقالت: سمعته وهو مسند إلي ظهره يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى) صلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار.

قالت رضي الله عنها في وصف موته صلى الله عليه وسلم: (جعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده صلى الله عليه وسلم).

لقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مات شهيدا، فعن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها، فأكل منها صلى الله عليه وسلم وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعته، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري). وقالت أم بشر الذي مات بتلك الأكلة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: (ما يتهم بك يا رسول الله؟ فإني لا أتهم بابني شيئا إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر، وقال صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان انقطاع أبهري) رواهما أبو داود. وقد جزم الحافظ ابن كثير رحمه الله أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مات شهيدا وقال: "فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له. وهذا يبين عداوة اليهود لنبينا صلى الله عليه وسلم وللإسلام وأهله، صدق الله جل وعلا إذ يقول: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ))[المائدة:82].

لقد مات محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات وهو يقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات) يقول الله جل وعلا: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ))، ويقول ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه: ((وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ))، قالت عائشة رضي الله عنها: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات وأبو بكر في مسجده بالسنح، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه وعلى أثرة من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حِبَرَة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى وقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله طبت حيا وميتا، والذي نفسى بيده لا يجمع الله عليك الموتتين أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك قد متها، ثم خرج أبو بكر وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس، فأبى عمر، تشهد أبو بكر، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، ومال الناس إلى أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، فمن كان يعبد منكم محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله جل وعلا: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ))، وقال سبحانه: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ))، فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس كلهم، قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فنشج الناس يبكون.

ثم شرعوا في تكفين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغُسل كما هو على ثيابه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ثم صلى عليه الناس فرادى لا يؤمهم أحد، ثم ألحد له في قبره ونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره عن الأرض نحوا من شبر، كما يفعل بأهل الإسلام، فصلوات ربي وسلامه على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، محمد بن عبدالله.

الله أكبر .. إن مصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم عظيمة، واسمعوا ما حدّثت به عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس، أو كشف سترا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر -وذلك في مرض موته- فحمد الله على ما رآه من حسن حالهم وقال: (يا أيها الناس، أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي) رواه ابن ماجه.

قال أنس رضي الله عنه: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء) رواه الترمذي. قال بعضهم:

اصبر لكل مصيبة وتجلد***واعلم بأن المرء غير مخلد
فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها***فاذكر مصابك بالنبي محمد.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين .. من الفوائد التي تؤخذ من حادثة وفاته صلى الله عليه وسلم :

حرصه صلى الله عليه وسلم على حماية جناب التوحيد، وسد كل طريق تؤدي إلى الشرك، لأنه كغيره من رسل الله، بعثه الله داعيا إلى توحيد رب العالمين، محذراً من الشرك، قال الله جل وعلا: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، ها هو صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه من الدنيا يخطب الناس وينذرهم، خطبهم قبل أن يلقى الله بخمسة أيام فقال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم. ولما نزل به الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، ولم ينس أمته في تلك الحال فكان يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صعنوا).

الله أكبر .. أين نحن يا دعاة الإسلام من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله؟ إنها دعوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى العقيدة الصحيحة وتوحيد رب العالمين، والتحذير من الشرك والبدع، هكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم في أول أمره وآخره وما بين ذلك.

لما كان بمكة وحيدا كان ينادي بالتوحيد قائلا: (يا معشر قريش قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا). وهي دعوته لما هاجر إلى المدينة، وأعز الله جنده ونصر عبده، ففتح مكة وطهرها من الأصنام والأوثان، ثم خرج إلى غزوة حنين فقال بعض الناس: اجعل لنا ذات أنواط -يريدون شجرة يتبركون بها- فغضب صلى الله عليه وسلم وعظم الأمر وقال: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) ثم أوصى بالتوحيد وحذر من الشرك وهو على فراش الموت فقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

فيا معاشر الدعاة إلى الله جل وعلا .. تمسكوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، كونوا دعاة إلى منهج السلف، تعلموه وبينوه للناس في القرى والبوادي، واصبروا على ذلك حتى تلقوا ربكم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحيوا مجالس المسملين بقراءة كتب السلف وتوضيحها وشرحها لهم، ككتاب شرح السنة للإمام البربهاري، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب التوحيد والقواعد الأربع وكشف الشبهات وغيرها للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.

الله أكبر، هذه الكتب موجزة ميسرة، لما اعتنى بها أهل هذه البلاد، وعمروا بها مجالسهم ومساجدهم حفظا وتعلما وتعليما، أنعم الله عليهم بدولة تجمع شتاتهم، وألف بين قلوبهم على السنة، وارتفعت راية التوحيد وذل الشرك وأهله .

يا معاشر الموحدين .. إن الخير الذي ننعم به منذ ظهور السنة وأهلها لن يستمر إلا بالاشتغال بالدعوة إلى التوحيد، والله إن عقيدتنا السلفية الآن في خطر، أعداؤها من المبتدعة والمفتونين، والقبوريين والمشركين، يحاربونها في كل مكان ويسعون للصد عن سبيل الله، وتزهيد الناس بعقيدة السلف، باسم الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى والعناية بالأولويات، فلا إله إلا الله، أي قضية عندنا أكبر من التوحيد؟ إن قضايانا الكبرى لا تُحل إلا بتصحيح العقيدة أولا، كما فعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والمصلحون من بعده، وهذه العقيدة السلفية تعاني الآن أيضا، من خلل في المنهج عند بعض أتباعها، فتركوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى التوحيد والسنة، والتحذير من البدع وأهلها، واشتغلوا بالسخافات والفكريات، والتحليلات الإخبارية وقول فلان وعلان، حتى خفيت عليهم السنة، ونسوا أن الحرب على الإسلام حرب عقيدة، فانتبهوا يا أصحاب العقيدة.

وإننا لنتساءل وحق لنا ذلك، ما نصيب الدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدع، ما نصيبها من خطب الجمعة والمحاضرات، والكلمات التي تلقى بعد الصلوات وفي المجالس، كانت بعض المجالس مجالس هداية، فصارت من بعدها مجالس سياسة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأما الأشرطة الدينية فنقول لمن يصدرها: اتقوا الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتمسكوا بهديه في الدعوة إلى الله جل وعلا، واعلموا أنّا أمة توحيد، لا أمة أناشيد، فانصروا عقيدة السلف وانشروها بين الأنام تفلحوا، وأبشروا أبشروا بعز الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) .

اللهم اغفر لإمام السنة أحمد بن حنبل، اللهم اغفر لشيخ الإسلام ابن تيمية، اللهم اغفر لإمام الدعوة السلفية الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، اللهم ارفع درجاتهم في المهديين، اللهم واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم، اللهم اغفر لهم يا رحيم يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، اللهم اجعلنا دعاة إلى التوحيد والسنة.

كلمات فى حب النبى صلى الله عليه وسلم 

مهما سطرت الأقلام كلمات
ومهما ألفت العقول عبارات
لوصف حبك يا رسول الله تعجز الأبيات
صلى على محمد ما كسبه الذاكرين الأبرار
وصلى على محمد ما تعاقب الليل والنهار
وصلى على محمد عدد ما يكتمه البشر
فى قلوبهم من أسرار
وصلى على محمد عد نقاط الماء فى الأبار
وصلى على محمد عدد أحرف القراًن
وصلى على محمد عدد البشر فى هذا الزمان
وصلى على محمد عدد إستشعار القلوب بالأمان
وصلى على محمد عدد الإنس والجان
وصلى على محمد حجم جمال الجنان
وصلى على محمد عدد ضربات القلوب
وصلى على محمد فى كل وقت وحين

مع تحياتى
ابوالجود

2 التعليقات: