خمسة ايام قبل حرب الكرامة اكتوبر 1973 تقرير كامل
حرب أكتوبر 73
الاحتفال بنصر أكتوبر فى عام الثورة يجب أن يكون على قدر الحدث.
فثورة يناير ونصر أكتوبر وجهان لعملة واحدة، فكلاهما وقوده الشهداء
الذين دفعوا حياتهم ثمنا لإنقاذ وطنهم، فانتقلوا إلى السماء لتبقى الأرض
لإخوانهم، لذلك سيظلون العلامة الفارقة فى تاريخ هذا الوطن.
الثورة والنصر كلاهما كان بمثابة عودة للروح والوعى، وانتصارا للحق
وإعلاء للقيم النبيلة، وكلاهما كان هدفه القضاء على الاحتلال، سواء احتلال
الأرض أو احتلال كرسى العرش، لذلك فإن الاحتفال بالنصر جزء من مبادئ الثورة
التى يجب أن تعيد التقييم وتضع فى المقدمة من يستحقون التكريم والاحتفاء،
وفى الوقت نفسه لا تتجاهل الحقائق ولا تسمح «لترزية التواريخ» بالعبث مرة
أخرى.
38 عاما مرت على حرب أكتوبر، لكن هذا العام يجب أن لا يكون مثل الأعوام
التى سبقته، فالثورة لا تستقيم إلا حصل كل فرد على ما يستحقه، سواء كان حيا
أو ميتا أو كما يقول الفذ نجيب سرور «لا حقَّ لحىٍّ إن ضاعتْ فى الأرض
حقوق الأمواتْ!».
نبوءة الانتصار: وقائع خمسة أيام سبقت الحرب
من 1 إلى 5 أكتوبر 1973
الأيام الأخيرة التى تسبق الاستعدادات لأى حرب كما هو معروف فى أدبيات
العلم العسكرى صعبة وخطيرة، وأى خطأ صغير يتخللها يمكن أن يؤدى إلى فشل
العملية الهجومية قبل بدايتها، والأيام السابقة للحرب محمومة دائما
بإجراءات معقدة، حتى يمكن رفع درجات الاستعداد والوصول إلى القدرة على
تنفيذ الخطة الهجومية وبراعة المهاجمين دائما فى إمكانية إخفاء نواياهم عن
العدو حتى لا يتعرضوا لضربة إحباط قبل بدء العمليات.
لهذا فى مناسبة نصر السادس من أكتوبر تعرض «التحرير» الأيام الخمسة
الأولى من هذا الشهر منذ 38 سنة.. لقد رصدت الأقلام فى الصحافة والكتب أيام
الحرب ولم يهتم أحد بما تم قبلها، تحديدا فى ملف خاص يكشف كيف كانت
الأجواء والأخطار والأخطاء لدى جميع الأطراف، وهذا ما نقدمه للقارئ فى هذا
الملحق..
1أكتوبر
مصر
عسكريا: – اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكامل هيئته برئاسة
الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقادة
يشرحون استعداداتهم للحرب مع تنويه السادات بخطورة المهمة.
- بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة أنور السادات يصدر التوجيه
الاستراتيجى للقوات المسلحة، ممثلة فى شخص وزير الحربية الفريق أول أحمد
إسماعيل على، وكانت عناوينه الفرعية كالتالى:
أولا: عن الوضع العام ومكون من عشرة بنود ويشرح الأوضاع محليا وإقليميا ودوليا.
ثانيا: عن استراتيجية العدو.
ثالثا: عن استراتيجية مصر فى هذه المرحلة.
رابعا: عن التوقيت.
- القوات المسلحة المصرية تبدأ فى تنفيذ المشروع الاستراتيجى (تحرير
41)، حيث تمت تحت ستاره إجراءات التعبئة، ورفعت درجة الاستعداد إلى درجاتها
القصوى، واتخذ القادة مواقعهم فى مراكز القيادة والسيطرة.
- الدارسون فى المعاهد التعليمية العسكرية ينضمون إلى وحداتهم بدعوى حضور التدريب.
داخليا: – جلسة انعقاد جديدة للجمعية التأسيسية للوحدة الاندماجية بين
مصر وليبيا لمناقشة وضع إطار لمؤسسات الدولة الجديدة وإعداد دستور الدولة
الواحدة.
- التحقيقات فى حريق مستشفى الحسين الجامعى الذى تسبب فى خسائر فادحة تكشف عن مخالفات خطيرة.
إسرائيل:
- قدم ضابط المخابرات الإسرائيلى سيمان طوف تقريرا إلى قيادته، موضحا
فيه احتمال أن تكون مناورة القوات المسلحة المصرية (تحرير 41) تمويها لعمل
حقيقى، ولم يؤخذ التقرير على محمل الجد.
- أبلغ أفراد المراقبة فى الخطوط الأمامية على قناة السويس عن تحركات
زائدة من القوات المصرية وقوافل نقل للزوارق وكبارى العبور، وأن المصريين
ينشئون قوائم فى الماء على امتداد القناة يمكن أن تكون قواعد لبناء جسور.
- موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، يعقد اجتماعا فى مكتبه يضم كبار
الجنرالات لتحليل الموقف انتهى بتقرير مكتوب إلى أن هناك احتمالا ضعيفا
لحرب شاملة.
دوليا:
- تصادف أن قام الفدائيون الفلسطينيون بالاستيلاء على قطار يحمل
المهاجرين اليهود فى النمسا ليلفتوا الأنظار إلى معسكرات استقبال يهود
أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتى المهاجرين إلى إسرائيل، وكانت
هذه المصادفة غاية فى الأهمية فى هذا التوقيت لأنها شغلت القيادة السياسية فى إسرائيل عن الاستعدادات المصرية-السورية.
- الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دور انعقادها السنوى تناقش القضايا
الدولية المختلفة، ولم يكن هناك قلق دولى من وجود توترات فى الشرق الأوسط
أو احتمالات لنشوب قتال بين أطراف الصراع.
2أكتوبر
مصر
عسكريا: – المشروع الاستراتيجى (تحرير 41) مستمر فى مرحلة خطواته
التنفيذية على الأرض، وتعمدت القوات المشاركة فى المشروع تبادل الإشارات
اللاسلكية المفتوحة، إمعانا فى الخداع.
- الاستعدادات تجرى على قدم وساق لاستكمال المستويات اللازمة للوحدات فى أعمال القتال فى الجيشين الثانى والثالث.
- صدور التعليمات السرية للقادة بالانتهاء من جميع أعمال التجهيز والاستعداد الفعلى فى مسرح العمليات.
- تكثيف أعمال الاستطلاع لرصد أى تحركات أو تعديل فى أوضاع القوات المعادية على طول خط المواجهة فى قناة السويس.
داخليا: – الأمين الأول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى د.محمد
حافظ غانم ينوب عن الرئيس أنور السادات فى توجيه خطاب للمعلمين بمناسبة
الاحتفال بيوم المعلم.
إسرائيل:
- أحد كبار ضباط الأركان فى الجيش الإسرائيلى يعلن فى مؤتمر صحفى أنه
رغم الحشود على الجبهتين المصرية والسورية، فإن احتمالات الحرب غير واردة
أو ضئيلة بما لا يتناسب مع ما يبثه المراسلون، ولا داعى للانزعاج، متصورا
أنه عبث يحاولون التسبب فى تصاعده.
- الرقابة العسكرية الإسرائيلية تمنع الصحف من نشر الأخبار التى تأتى من الصحفيين من مصادرهم الخاصة عن الموقف فى الجبهة.
دوليا:
- فى بادرة لافتة تؤكد الانحياز الأمريكى التام لإسرائيل.. الكونجرس
يؤجل جدول أعماله ويتبنى قرارا ضد النمسا بسبب إغلاقها معسكر تهجير اليهود
إلى إسرائيل.
- بعد اجتماع عاصف بين المستشار النمساوى برونو كرايسكى وجولدا مائير فى
فيينا ورفضه كل حيل وضغوط مائير للتراجع عن إغلاق معسكر تهجير اليهود..
رئيسة الوزراء الإسرائيلية تقرر قطع زيارتها والعودة إلى تل أبيب.
3أكتوبر
مصر
عسكريا: – الفريق أول أحمد إسماعيل على يسافر إلى سوريا فى زيارة سرية
وخاطفة استمرت عدة ساعات، حيث تم التنسيق النهائى على توقيت بدء الهجوم فى
وقت واحد على كل من الجبهتين المصرية والسورية.
- القوات المسلحة تبدأ المرحلة النهائية لحشد القوات، للعملية الهجومية
وتشمل الأسلحة والمعدات الثقيلة ومجهودات جبارة لتحقيق أكبر قدر من
الإخفاء.
- مع بدء مرحلة الحشد يصبح من الممكن اكتشاف نوايا الهجوم.
- خطة الخداع الاستراتيجى تبدأ مرحلتها الأخيرة، ومن خطواتها الإعلان عن
تسريح دفعة رديف، اعتبارا من 4/10، ويبلغ قوامها 120 ألف جندى – الإعلان
عن تحديد زيارة وزير دفاع ألمانيا – فتح باب التقديم للعمرة – فتح باب
الإجازات نسبيا….
- استمرار إجراءات الاستعداد القتالى للمعركة تحت غطاء المشروع التدريبى «تحرير 41».
داخليا: – فى قضايا مظاهرات طلاب الجامعة التى كانت تحث القيادة
السياسية على حرب التحرير.. محكمة أمن الدولة العليا تقرر تأجيل قضية طلاب
جامعة القاهرة إلى أجل غير مسمى بعد أن تقدمت النيابة بطلب يدعو للتأجيل،
بناء على قرار من الرئيس السادات.
إسرائيل:
كانت احتمالات نشوب الحرب قد بدأت تشغل القيادات العسكرية والسياسية
بصورة أكبر، وبالفعل انعقد مجلس الحرب أو ما يسمى بـ«المطبخ»، وعقد
الاجتماع برئاسة جولدا مائير رئيسة الوزراء التى كانت قد عادت للتو من
النمسا، والمطبخ هو عبارة عن الوزراء السياديين وكبار القادة ومسؤولى
المخابرات، وتمت مناقشة مستفيضة عن احتمالات الحرب، وكانت احتمالات الحرب
على الجبهة السورية أكثر منها على الجبهة المصرية. واعتبر الحاضرون أن بدء
إخلاء العائدات الروسية من مطارى القاهرة ودمشق إشارة يجب أن تؤخذ بعين
الاعتبار فى هذا الاجتماع.. كانت أسئلة مائير كثيرة وقلقة.
وفى النهاية اتفق تقرير المخابرات مع رأى دافيد إليعازر رئيس الأركان،
بأن احتمالات الهجوم محتملة، ولكن فى توقيت بعيد، أما رأى إيجال آلون وزير
الخارجية، فتركز على احتمال وشيك لهجوم مدبر ضد إسرائيل، وخلص رأى الأغلبية
فى النهاية إلى النتيجة التالية:
أولا: عدم استبعاد هجوم سورى، ولكن فى إطار معركة محدودة بعد آخر معركة تكبدوا فيها خسارة 13طائرة.
ثانيا: كان هناك شبه إجماع على أن مصر غير قادرة على شن حرب.
وبهذا يصبح احتمال هجوم مشترك ضعيفا.
دوليا:
- حملة هجوم سياسى تشنها الصين ضد الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى
لاتفاقهما على تمييع الموقف تجاه الصراع العربى-الإسرائيلى بالإبقاء على
حالة اللا سلم واللا حرب، لأن هذا الوضع يخدم مصالحهما فى إطار سياسة
الوفاق.
- استمرارا لموقف الولايات المتحدة المنحاز لإسرائيل، الرئيس الأمريكى
نيكسون يتزعم شخصيا حملة ضغط على النمسا لإثنائها عن قرار إغلاق معسكر
تجميع يهود أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتى إلى إسرائيل.
- الرئيس أنور السادات يوفد وزير السياحة إسماعيل فهمى -وزير الخارجية
فى ما بعد والذى استقال اعتراضا على زيارة السادات للقدس- إلى فيينا،
ويلتقى برونو كرايسكى لمتابعة أزمة إغلاق مركز تجميع اليهود المهاجرين إلى
إسرائيل.
4أكتوبر
مصر
عسكريا: – صدور الأوامر بمضاعفة تكثيف أعمال الاستطلاع من الاستطلاع
العام وجميع عناصر الاستطلاع العضوية فى الأسلحة والتشكيلات مع الإبلاغ
الفورى عن أى نشاط غير عادى لدى قوات العدو.
- القيادة العامة تدفع مندوبين إلى الجيشين الثانى والثالث بمظاريف
مغلقة يتم توزيعها تنازليا حتى توقيت محدد قبل بدء العمليات على القادة فى
المستويات التعبوية ثم التشكيلات ثم الوحدات، وقد تم تسليم هذه الأظرف إلى
قادة الجيوش شخصيا.
- المهندسون العسكريون يبدؤون فتح ثغرات فى حقول ألغام قواتنا فى أماكن إنزال الكبارى وقوارب العبور.
داخليا: – خطأ فادح كاد يتسبب فى كارثة لكل الاستعدادات والاحتياطات
الهائلة التى أنجزتها مصر للحرب، فقد أعطى أحد مسؤولى «مصر للطيران»
تعليمات بقرار شخصى منه دون رجوع إلى القيادة السياسية، حيث أبلغ بأن تقوم
الطائرات التى تغادر القاهرة من شركة «مصر للطيران» بالمبيت فى المطارات
التى تصل إليها وتأجيل العودة إلى القاهرة لحين وصول إشعار آخر بهذا الأمر
لهم، وكان السبب فى هذا القرار الخائب هو إبلاغ الطيارين السوفييت له بأنهم
يجلون عائلات الروس الموجودة فى مصر وسوريا من خلال أسطول كبير من
الطائرات الضخمة، لأن حربا شاملة ستقع خلال ساعات، تم إلغاء هذا القرار قبل
بدء تنفيذه فور إبلاغ الدوائر السياسية المعنية فى الدولة به، كما تم
التنبيه على الطيارين والخبراء الروس بأن خبر الحرب الذى تلقوه من القيادة
السورية غير صحيح.
إسرائيل:
- رئيسة الوزراء جولدا مائير تلقى بيانا فى الكنيست عن زيارة النمسا.
- الجنرال جونين قائد الجبهة الجنوبية يقطع زيارة لحيفا عائدا إلى سيناء بعد تلقيه مكالمة تليفونية من ضابط المخابرات دافيد جداليا.
- بدأ القلق يسيطر جديا على أجهزة المخابرات مع استمرار إخلاء الأسر الروسية، وإن كان وقع الأحداث أقل على المخابرات العسكرية.
- رئاسة الأركان تتلقى معلومة من أحد المصادر عن حرب وشيكة بعدها بدأت المخابرات الحربية فى رفع درجة استعدادها.
دوليا:
- زائير تقطع علاقاتها بإسرائيل بسبب استمرار عدوانها على الشعوب العربية واحتلالها أراضى هذه الدول.
- برونو كرايسكى يعلن أنه لا تراجع عن قرار إغلاق معسكر تهجير اليهود إلى إسرائيل، وأن القرار نهائى.
- مشاجرة كلامية بين مندوبى المملكة العربية السعودية وتشيلى فى الأمم المتحدة تتطور إلى اشتباك بالأيدى بينهما.
5أكتوبر
مصر
عسكريا: – القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس أنور السادات يصدر التوجيه الاستراتيجى الثانى أو الملحق الإضافى للتوجيه الأول.
ملحق:
نص التوجيه الاستراتيجى الثانى
5 أكتوبر 1973
توجيه استراتيجى من رئيس الجمهورية
القائد الأعلى للقوات المسلحة
إلى الفريق أول أحمد إسماعيل على، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة
1- بناء على التوجيه السياسى العسكرى الصادر لكم منى فى أول أكتوبر
1973، وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسى والاستراتيجى: قررت تكليف
القوات المسلحة بتنفيذ المهام الاستراتيجية الآتية:
(أ) إزالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف إطلاق النار، اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 1973.
(ب) تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات.
(جـ) العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية، حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة.
2- تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات السورية.
- طبقا لتوقيتات تسليم المظاريف المسلمة لقادة الجيوش فى اليوم السابق،
قادة التشكيلات يطلعون على توقيت الهجوم مع اليقظة التامة لأى ضربات مفاجئة
من العدو.
- جميع القيادات تنتقل لاحتلال مراكز القيادة المتقدمة على امتداد الجبهة.
- بعد آخر ضوء، حشد القوات يدخل مرحلته الأخيرة بدخول وحدات الكبارى
الضخمة إلى أماكنها، ووحدات صواريخ الدفاع الجوى تتقدم وتحتل مواقعها غرب
القناة مباشرة.
- عناصر القوات الخاصة تعبر قناة السويس للضفة الشرقية ليلا، وتقوم بسد أنابيب النابالم المعدة لإشعال القناة مع عبور القوات.
داخليا: – الحكومة تصدر تعليمات لبنك ناصر الاجتماعى بتدبير اعتمادات مع
بداية العام الدراسى للجامعات لصرف الكتب والملابس مجانا لمحدودى الدخل من
الطلبة.
إسرائيل:
- بدأ هذا اليوم من الواحدة صباحا باتصال تليفونى من إيلى زعيرا رئيس
جهاز المخابرات العسكرية، بتسيفى زاميرا رئيس المؤسسة المركزية للمخابرات
(الموساد)، لإبلاغه قلقه من ترحيل الروس فى مصر وسوريا، ورد الأخير بأنه
سوف يسافر بعد ساعات لمقابلة مصدر موثوق أفاد بأن حربا مؤكدة قريبة جدا
وأنه يفضل أن يناقشه فى الأمر وجها لوجه لأهمية هذا المصدر.
- الصور الجوية تكشف عن تعزيزات فى منطقة القناة.
- الجنرال ألبرت ماندلر قائد القوات المدرعة فى سيناء، يرسل أحد ضباطه
المتميزين لاستطلاع الموقف على خط القناة، ويبلغ الضابط لاسلكيا أنه رصد
حركة كبيرة فى العمق (كان إخفاء الاستعدادات على الضفة الغربية للقناة
محكما لدرجة عدم تمكن هذا الضابط من رصد هذه الاستعدادات).
- تكليف طاقم من سلاح المهندسين بالتوجه إلى قناة السويس لفحص خزانات
النابالم والأنابيب التى خصصت لإشعال القناة بالنار عند محاولة عبورها.
- اجتماع فى التاسعة صباحا فى مكتب وزير الدفاع مع كبار القادة، دارت فيه مجادلات عنيفة وكانت القرارات النهائية:
1- إلغاء الإجازات فى الجبهتين الجنوبية والشمالية، على أن يوجد الطيارون فى قواعدهم فى حالة استعداد كاملة.
2- الاهتمام بأن تكون حالة الاستعداد جادة.
3- هيئة الأركان توجد فى مقراتها وجميع القادة فى منازلهم خلال عيد الغفران.
وفى نهاية الاجتماع صدر بيان كالتالى:
«اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلى اليوم (الجمعة 5/6/1973) فى جلسة
استثنائية لبحث احتمالات وقوع هجوم على إسرائيل من الجبهتين الجنوبية
والشمالية، وعلى الرغم من أن حشود القوات المصرية والسورية يخشى معها بوضوح
وقوع هجوم، فقد تقرر عدم إصدار الأمر بتعبئة الاحتياط، حتى لا يزعم الرأى
العام العالمى أن إسرائيل تستعد للهجوم.
دوليا:
- اجتماع فى نيويورك على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بين
د.محمد حسن الزيات وزير الخارجية المصرى، وهنرى كيسنجر وزير خارجية
الولايات المتحدة، استمر لمدة ساعة بين الطرفين للتباحث حول الموقف من
الصراع العربى-الإسرائيلى واستمرار احتلال أراضى عدة دول عربية.
خط بارليف: نهاية الأسطورة
كان العبور عملا مجيدا بلغت فيه طاقات الإبداع والجهد والتنفيذ حدودها
القصوى. كان الساتر الترابى، الذى يرتفع على الحافة الشرقية للقناة لمسافة
رأسية حادة الميل، يبلغ 20 مترا، ومن أسفله أنابيب موصولة بخزانات نابالم،
لإشعال النار على سطح الماء، إذا حاول المصريون عبورها، وخلف هذا الساتر
نقاط قوية بالغة التحصين مزودة بجميع وسائل الحماية والتسليح والمخزون
الإدارى وحقول من الألغام والأسلاك الشائكة تربط شبكة هذه النقاط القوية
بوسائل إنذار إلكترونى متصلة بالاحتياطيات الموجودة فى العمق، كان هذا
التنظيم الهندسى الدفاعى المحكم يسمى خط بارليف، واعتبارا من عام 68 حتى
منتصف 1971 بلغ عدد التجارب الاستكشافية للاستقرار على أسلوب لفتح ثغرات فى
الساتر الترابى 348 تجربة باستخدام أعيرة المدفعية المختلفة -قنابل
الممرات- نقل المعدات الميكانيكية (آلات الجرف) بواسطة طائرات الهليكوبتر-
الصواريخ الموجهة- استخدام المفرقعات- استخدام التجريف بالمياه، وتم
استعارة هذه الفكرة من أسلوب استخدامها عند بناء السد العالى، واستقر الرأى
عليها. فى النهاية كان رأى الخبراء الأجانب لمواجهة هذه المعضلة الخاصة
بالساتر الترابى، هو استخدام قنابل نووية تكتيكية، إذا كانت هذه معركتهم فى
بلادهم، وأن هذه هى الوسيلة الممكنة لفتح ثغرات تسمح بمرور الحملات
الميكانيكية.
لكن عبقرية رجال القوات المسلحة أبدعت فكرة الطلمبات التى استعانت
بالماء من القناة نفسها فى فترة زمنية صغيرة من ٣- ٤ ساعات لتجريف أماكن
الفتحات، وهنا ظهرت المشكلة الثانية كيف ستعبر الموجات الأولى الساتر
الترابى لتأمين فتح الثغرات وبداية عبور القوات المدرعة الآلية، وجاء الحل
غاية الطرافة والذكاء والبساطة، باستخدام سلالم الحبال التى يستخدمها عمال
البناء البدائيون، وبالفعل تسلقت الموجات الأولى من المشاة الساتر بطريقة
-من فرط بساطتها- تبدو خيالية. تبقت مشكلة الأنابيب التى ستصب الجحيم فى
القناة، بنابالم يشتعل ولا يطفأ بأى وسيلة، وكان الحل -أيضا غاية فى
البساطة- هو أن تعبر مجموعات من رجال القوات الخاصة، وتقوم بسد هذه
الأنابيب بواسطة أسمنت سريع التصلب، حتى لا تتحول القناة إلى مسطح هائل من
اللهب ترتفع ألسنتة الحارقة عاليا، وتصل درجة حرارته إلى 700 درجة مئوية،
هكذا فكك العقل العسكرى المصرى منظومة المستحيل التى ألقاها الإسرائيليون
إذا تجرأ المصريون وحاولوا عبور قناة السويس.
بعد أن أنشئت الكبارى وتحركت الأسلحة الثقيلة والتشكيلات، لتحتل أوضاعها
على الأرض، لتدور معارك عنيفة، ورغم أن عمق ميدان القتال لم يكن كبيرا
ومتسعا فإن أعمال القتال وحشد الأسلحة اتسمت بالكثافة، حتى إن خسائر
إسرائيل فى أيام الحرب الأولى من الدبابات كانت بالمئات، وتساقط الطائرات
كان أضخم بكثير مما كانت تتصوره إسرائيل، لدرجة أن الولايات المتحدة
الأمريكية اضطرت إلى إرسال شحنات أسلحة للتعويض من الخطوط الحرجة فى
مخزونها الاستراتيجى.
هذه الحرب كانت الأرقى والأعظم فى استخدام التكنولوجيات الحديثة منذ
الحرب العالمية الثانية، وعلى سبيل المثال فقد أدى سلاح الحرب الإلكترونية
المصرى دورا غير مسبوق فى تاريخ الحروب فى التنصت والشوشرة والإعاقة،
باستخدام منظومة تكنولوجية شديدة التعقيد، واستطاع الدفاع الجوى بناء شبكة
منتشرة ومتطورة من الحاسبات والرادارات.
لقد استطاع المقاتل المصرى أن يخلخل فى هذه الحرب المفاهيم القديمة
للدور الذى تؤديه الدبابة والطائرة فى حسم العمليات والسيطرة على ميادين
القتال، إذ تمكنت المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، وهى صواريخ صغيرة
الحجم والوزن فى أيدى المقاتلين المصريين، أن تشل فاعلية المدرعات
الإسرائيلية، وكانت قد اكتسبت شهرة غير عادية من قبل، وتم تحييد سلاح
الطيران الإسرائيلى عن أداء دوره المتفوق، رغم تفوقه الكمى والنوعى، وذلك
عن طريق حائط الصواريخ الذى تم بناؤه غرب القناة، حتى إن القيادة
الإسرائيلية أصدرت أمرا صارما لطائراتها بعدم الاقتراب لمسافة 15كم من قناة
السويس.
لقد استطاع الجيش المصرى، رغم التفوق النوعى للسلاح الإسرائيلى ذى
الطبيعة الهجومية، أن ينفذ فى سابقة فريدة حربا هجومية لسلاح دفاعى.
- ما أعظم خطة الخداع الاستراتيجى وما أنجحها.
- ما أعظم المفاجأة فى بدء العمليات التى باغتت الجميع.
- ما أعظم ملحمة العبور التى بلغت من نظامها وبساطتها حدا مذهلا.
- ما أعظم قوة السلاح فى يد الجندى المصرى حتى إن لم يكن حديثا.
- ما أعظم التخطيط الدقيق والناجح لهذه الحرب المصرية 100٪.
- ما أعظم الأفكار البسيطة التى حطمت بأيدى المصريين القلاع الحصينة.
- ما أعظم الإنسان المصرى عندما يتاح له الظرف الموضوعى والنية الصادقة، لتتفجر على يديه المعجزات.
صناع التاريخ بين ثورة يناير.. ونصر أكتوبر
يأتى السادس من أكتوبر هذا العام فى مناخ مغاير لكل أكتوبر أتى على مصر
منذ عام 1973، فى العام الماضى كان أكتوبر -رغم الاحتفالات الرسمية- باهتًا
مثقلاً بالهموم فقد كنا -كمصريين- قد وصلنا إلى الحد الذى أصبحنا فيه
يائسين من أنفسنا، وساخطين فى قسوة -ليست من طبعنا- على الوطن، وصرنا
نتساءل: هل دجّن مبارك نخوتنا إلى هذه الدرجة المتدنية على قبول الفساد،
والرضوخ للمهانة، والعبث بإرادتنا، ومحاصرة آمالنا فى مستقبل يليق بنا كأمة
عظيمة؟ أطل علينا أكتوبر 2010 حزينا، فجلال المناسبة أضاعه أوْضَاع وطنٍ
فى محنة، هكذا كان أكتوبر العظيم من سنة، وهكذا كان السادس من أكتوبر يوم
العزة والبهجة والكرامة الذى مسح عن جبين مصر عار هزيمة يونيو 67 المهينة،
ويومها وقف موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، يتحدث إلى الصحفيين فى
خيلاء وعجرفة، مدعيًا أن المصريين أمامهم مئة سنة، حتى يتمكن جنودهم
الفلاحون الأميون الجهلاء من استيعاب التطور التكنولوجى للأسلحة الحديثة،
بعد ست سنوات وأربعة أشهر تلقى الجيش الإسرائيلى ووزير دفاعه صفعة من جنود
مصر، لأنه لم يكن منتبها إلى أن مجانية التعليم فى مصر كانت قد خلقت ملايين
من الشباب المتعلم الذى استطاع -وهذا لم ينتبه إليه الكثيرون- أن يتجاوز
المعدلات العالمية التى تنص عليها كتالوجات الاستعمال فى سرعة تجهيز
واستخدام السلاح والمعدات العسكرية، هذا الشباب الذى صنع أكتوبر صنع فى ما
بعد أبناؤه فى 25 يناير ثورة عظيمة، كانت زلزالا كهذا الذى أحدثه العبور فى
6 أكتوبر، وتجمعهما مفارقة بديعة هى تطابق أوجه الشبه التى يمكن قراءتها
فى ما يلى:
أولا: إن الذين صنعوا النصر على الأرض فى أكتوبر هم الشباب، والذين أشعلوا ثورة 25 يناير هم الشباب أيضا.
ثانيا: قبل السادس من أكتوبر كان الناس فى حالة يأس من عمل يرد الاعتبار
لهذا الوطن بعد هزيمة 67، بعد أن انتهى عام الحسم الذى أعلن عنه السادات
فى عام 72، وسماه المصريون وقتها «عام الضباب» ولم تكن هناك أى بوادر عن
عمل عسكرى، وبالمثل فقبل الخامس والعشرين من يناير كان الناس أيضا فى حالة
يأس من تحرك سياسى يحبط مشروع التوريث، أو ينهى حالة الركود السياسى.
ثالثا: قبل أكتوبر 73 كان الموقف الدولى يرى أن تبقى حالة الاسترخاء
العسكرى فى ما سمى بـ«اللا سلم واللا حرب» فى المنطقة على ما هى عليه،
لمصلحة حالة الوفاق الدولى بين القطبين العالميين، وقبل يناير 2011 كانت
القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى أن استمرار الحالة
الشمولية لأسلوب الحكم والانتهاكات ضد حقوق الإنسان لا تضرهم، طالما أن
النظام يلبى احتياجاتهم والقوى الشعبية لا تتحرك.
رابعا: تحققت مفاجأة هائلة فى حرب أكتوبر وثورة يناير، وكان قيامها
مباغتا للقوى السياسية فى الداخل والحكومات والهيئات العلمية
والاستخباراتية فى الخارج، وعلى سبيل المثال، لا الحصر طلب رئيس الولايات
المتحدة الأمريكية فى كلا الحدثين تحقيقا فى وكالة الاستخبارات الأمريكية
عن أسباب الفشل فى التنبؤ بأىّ منهما.
خامسا: التداعيات التى تلت كلًّا من الحرب العظيمة والثورة المجيدة لم
تكن تتناسب مع قيمة أى منهما فى الواقع الذى حركت مياهه الراكدة، ولم تكن
تتناسب أيضا مع روعة الإنجاز، فى 73 حدثت الثغرة ثم مباحثات الكيلو 101 على
الأرض المصرية -للأسف- شرق القناة وحتى مع اتفاقية السلام لم يجن المصريون
تحولات اقتصادية واجتماعية ذات قيمة، أما فى 2011، حيث ما زالت التداعيات
-قياسا بحرب أكتوبر- فى بدايتها، ولكن شابها كثير من السلبيات والارتباكات
واستغلال الثورة من قوى لم تكن مشاركة فيها، إضافة إلى لغز الاستفتاء.
مفارقة عجيبة، لكن الأمل أن تفضى تداعيات ما بعد الثورة على المدى
البعيد إلى نتائج تتفق مع قيمتها، إذ لن يكفى -مع طبيعة موضوعها- غير طاقة
نور أضاءت يومًا فى سماء الوطن، ولم يبق منها سوى ذكرى سعيدة مثلما حدث فى
أكتوبر الذى كان إنجازا مذهلًا.
بعد انتهاء الحرب بفترة قصيرة فجأة ودون مقدمات سرت قصة غامضة مجهولة
المصدر سعى من اختلقها إلى ترويج إشاعة لا تمت إلى الواقع ولا الحقيقة بأى
صلة. وتدعى هذه الإشاعة أن ملائكة بأردية بيضاء ناصعة كانوا يهبطون من
السماء ويقدمون العون للمحاربين المصريين ويمنعون عنهم الأذى ويبثون الرعب
فى قلوب الأعداء، وأنهم كانوا يجوبون ميادين القتال ليل نهار.
ما دام أن الأمر هكذا، فهل كان هؤلاء الملائكة يشاركون فى التدريب الجاد
والمضنى الذى اختلط فيه العرق بالدم، وكان يسقط فيه شهداء من شدة
الواقعية؟ وهل كان هؤلاء الملائكة يخططون مع خيرة كفاءات القوات المسلحة
جميع تفاصيل العبور والخداع الاستراتيجى الذى أذهل العدو قبل الصديق؟ وهل
هؤلاء الملائكة هم الذين حددوا توقيت بدء الحرب، وأرسلوا رجال الصاعقة لسد
أنابيب النابالم، حتى لا يتحول سطح الماء فى القناة إلى حريق مروع يشوى
أجساد جنودنا ويحولها إلى رماد؟ وهل صاغ هؤلاء الملائكة التوجيه
الاستراتيجى، إيذانا بالمعركة من رئيس الجمهورية إلى وزير الحربية؟ وهل..
وهل والأسئلة كثيرة بلا حصر.
الأهم، لماذا لم تمنع الملائكة قوات الجنرال شارون من عبور القناة
وإحداث ثغرة نغّصت على المصريين فرحة النصر؟ علما بأن أبطال المقاومة
الشعبية التى لم يشاهد أحد من أبطالها ملائكة على الإطلاق هم الذين حموا
المدينة من الاحتلال الذى كان سيضع الجيش الثالث فى كارثة، وكان يمكن أن
يؤدى إلى تحولات مأساوية للموقف العام فى نتائج حرب «كانت على كف عفريت»
إذا تم احتلال السويس.
ببساطة شديدة كانت هذه الإشاعة الخبيثة محاولة لاستغلال طبيعة التدين
لدى قطاع كبير من المصريين بتمرير حدوتة غيبية مدروسة كى تهاجم العقل
المصرى الذى استطاع بالعلم والمعرفة أن ينسج ملحمة العبور.. هذا العقل الذى
حقق إنجازاً مخيفاً لكل كارهى مصر ونهضتها، وأن يكون عبور القناة مقدمة
لعبور آخر نحو نهضة شاملة.
لقد كانت هذه الإشاعة الخطيرة محاولة لتفريغ إنجاز العبور من مضمونه
الذى يعنى أن التخطيط الجيد والإعداد المتقن بعد الدراسة المتعمقة والتحليل
الدقيق هى التى ساعدت على أن يأتى الأداء فى أثناء المعارك ناجحاً
والتنفيذ منضبطا محققاً للنتائج والأهداف، حيث وصلت مهارة الرجال إلى حد
تجاوز معدلات الأداء العالمية للجنود فى الجيوش، مما أذهل الخبراء
العسكريين.
هكذا أرادت هذه الإشاعة المسمومة أن تجعل من رجال القوات المسلحة
المصرية دراويش كانوا يتمايلون يميناً ويساراً بصيحة «الله أكبر» فى مولد
العبور، وأن علينا أن ننتظر فى ما بعد فى تواكل وبلادة مدد السماء التى
ترسل الملائكة، فيتحقق بهم النصر وليذهب العقل والعمل الجاد المتقن إلى
الجحيم.
الثغرة: هل كانت أمريكا قادرة على تنفيذ تهديدها؟
فى جميع الحروب تحدث الأخطاء، وعلى السواء يرتكبها المنتصرون
والمنهزمون، وفى حرب السادس من أكتوبر كانت أخطاء القادة العسكريين
الميدانيين على الأرض فى مسرح العمليات بسيطة، وكانت أخطاء القيادة
السياسية والقادة العسكريين -لم يكونوا كلهم بالطبع- فى مركز القيادة
بالقاهرة فادحة، ولو كان المخطئون قد عادوا بالذاكرة للخلف قليلا، وراجعوا
الدروس المستفادة من هزيمة 5 يونيو، لاكتشفوا كم هى مروعة نتائج تدخل
القيادة السياسية فى قرارات الحرب، ودفع القوات إلى مهام لا يقبل القادة
المسلحون بالعلم العسكرى وخبرة ميادين القتال بها.. فى حرب 67 كان القرار
سياسيا، فتحملت القوات المسلحة هزيمة قاسية، نتيجة الدفع بها فى مظاهرة
سياسية، وفى أكتوبر 73 تم تطوير الهجوم عنوة، رغم اعتراض القادة
الميدانيين، مما أدى إلى فقدان 250 دبابة فى عدة ساعات فقط، والفشل الذريع
فى تحقيق أهداف التطوير بالوصول إلى المضايق.
كان سحب الفرقتين الرابعة والـ«21» المدرعتين من غرب القنال لتنفيذ خطة
التطوير، قد أدى إلى تفريع غرب القناة من القوات، وهو السبب الرئيسى فى
حدوث الثغرة.
كان تحريك اللواء «25» مدرع من رأس كوبرى الفرقة السابعة، لتدمير قوات
العدو جنوب قرية الجلاء فى شرق القناة، وسد الطريق على القوات الإسرائيلية
فى التحرك إلى الغرب فى الدفرسوار كان السبب فى تدميره، وعارض هذا القرار
القادة الميدانيون جميعهم، بمن فيهم قائد اللواء، وتعنت الفريق أول أحمد
إسماعيل فى تمسكه بالقرار، وأيده رئيس الجمهورية، وكما كان منتظرا من
القادة الميدانيين دمر هذا اللواء تماما، لقد كان توقيت تطوير الهجوم
المناسب فى بداية الوقفة التعبوية الملغزة لكل من يدرس معارك هذه الحرب،
بينما كان الأمر فى حقيقته هو قرار سياسى مسبق بعدم تجاوز رؤوس الكبارى
للجيشين، بمسافة لا تزيد على 10-12 كم، طالما كان هذا القرار السياسى، فكان
يجب إلغاء فكرة تطوير الهجوم تماما، لأن طول الوقفة التعبوية حتى يوم 13
ساعدت الإسرائيليين على استعادة المبادأة، نتيجة عدم استمرار الضغط من
القوات المصرية، عندما كانت قوات العدو فى حالة انهيار.
لقد كانت الحجة التى استند إليها الفريق أول أحمد إسماعيل على فى عدم
تطوير الهجوم واللجوء إلى الوقفة التعبوية هى المحافظة على القوات التى لو
اندفعت إلى مسافات أبعد ناحية المضايق، لأصبحت تحت رحمة الطيران المعادى.
بينما كان هناك اتفاق مع السادات على عدم تحريك القوات بعد تحقيق المهمة
المباشرة المحدد لها يوم 9 أكتوبر، وهنا يأتى السؤال الجوهرى الكاشف لماذا
تراجع السادات عن قراره وطلب تطوير الهجوم؟ الرد: هو رفع الضغط عن القوات
السورية.. إذن لماذا قبل الفريق أول أحمد إسماعيل على بقرار الرئيس، وهو
يعلم أن قواته سوف تتعرض إلى ضربات الطيران المعادى التى أشار إليها من
قبل. ولماذا لم يقف فى صف القادة الميدانيين الذين حذروا من تطوير الهجوم
فى وقت خطأ؟
تناقضات مخيفة وقرارات لعينة أدت إلى فقدان المبادأة، وهى من مبادئ
الحرب المهمة، وأدت كذلك إلى عدم استغلال ارتباك القوات والقيادة
الإسرائيلية فى بداية العمليات، حيث كانت قواتنا مشحونة بالروح الهجومية
التى كان يجب زيادة حفزها باستمرار الضغط على العدو.
كان هذا جانبا من أخطاء حرب أكتوبر، أما الجانب الآخر فهو لغز آخر، هو
لغز الثغرة، حيث أصدر الرئيس السادات أمرا فى 13 ديسمبر بتعيين اللواء سعد
مأمون قائدا لقوات تصفية الثغرة، التى حوصرت تماما بقوات كثيفة، بعد أن
استعوضت القوات المصرية خسائر الحرب، وتم التصديق على خطة بتوجيه ضربات من 5
اتجاهات، تجزأ بها القوات المعادية الموجودة فى الثغرة، لتبدأ تصفية كل
القوات فى الثغرة تماما، وكان تصفية هذه الثغرة تعنى إحداث شرخ نهائى، لا
يرمم فى جدار الجيش الإسرائيلى، وعندما سُئل الرئيس السادات عن سبب عدم
تصفية الثغرة، وكانت عملية سهلة للقوات المصرية، كان رده أن أمريكا هددت
بضربى ذريا إذا فعلت هذا، وربما كان هذا التهديد من إسرائيل التى ربما كانت
تمتلك سلاحا نوويا فى هذا الوقت، وهنا يجب أن لا نغفل حقيقة غاية فى
الأهمية، هى أن إسرائيل لأول وآخر مرة فى تاريخها تقوم بالانسحاب من أراض
تقوم بالاستيلاء عليها بالقوة، ويحمل هذا الموقف فى طياته دلالة عن مدى ضعف
موقف القوات الموجودة فى الثغرة، ومن المعروف أنه عند الانسحاب منها حدثت
بعض الخسائر نتيجة تصادم القوات المنسحبة ببعضها، نتيجة الخوف من تعرضها
لضربة مفاجئة.. هل افتقدنا قائدا جسورا فى رئاسة الجمهورية وآخر وزيرا
للحربية؟ بعيدا عن الحرص الزائد، وما تسبب فيه من قرارات عكسية، أم أن
الموقف كان يستدعى توازنا خلاقا بين الجسارة والحرص بعيدا عن حرص تام
مرتبك، وعلى سبيل المثال هل كانت أمريكا قادرة على تنفيذ تهديدها لو صفَّت
مصر الثغرة فى ظل التوازن الاستراتيجى بين القطبين الأعظم؟!
شاهد
0 تعليقات
السابق
التالي