Snippet

تطور الدستور المصرى و إشكالية الحريات والحقوق تقرير شامل


أولا :- تطور الدساتير المصرية
**********

   تاريخ الدساتير المصرية:-

 الدستور كلمة ذات أصل فارسي و يقصد بها الأصل أو الأساس . وطبقا للمعيار اللغوي فإن الدستور يشمل كل ما يتعلق بوجود الدولة ومقوماتها وعناصر تكوينها و طرق ممارسة السلطة فيها. فعلى ذلك يتضمن الدستور نصوص تتعلق بالسلطة القضائية مثل المادة ١٦٥ و ١٦٦ من دستور ١٩٧١ كما يتضمن نصوص تتعلق بالإدارة المحلية المصرية مثل المواد ١٦١ و ١٦٢ و ١٦٣ .
و نلاحظ أن الدستور المصري الحالي هو دستور مكتوب جامد نسبيا بعكس الدستور الإنجليزي الذي هو دستور عرفي مرن نسبي كذلك فالدستور المصري لا يأخذ بنظام الرقابة السابقة مثل فرنسا و إنما يأخذ بنظام الرقابة اللاحقة عن طريق الدفع الفرعي مثلاَ وتمارس تلك الرقابة في مصر المحكمة الدستورية العليا.

تعـريف الدســتور :
الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسي القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ؛ ويقررالحريات والحقوق العامة؛ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ؛ ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفـها وصلاحـيتها ؛ ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى ؛ أو مزاحمتها فى ممارسة إختصاصاتها .

تطور الدساتير المصرية
 
١- السياست نامة:     صدر أثناء حكم أسرة محمد علي والي مصر عام ١٨٣٧ و كان مكتوبا واهتم بالتنظيم القانوني الذي يفصل بين السلطات و بعض الحقوق و الحريات و لم يحمل طابعا دينيا إلا أنه اهتم بتقليد المناصب لخريجي الأزهر الشريف و ساعد هذا الدستور على بداية التشكيل الدستوري للدولة بنشأة مجلس شورى النواب كنواة للسلطة التشريعية و النظارة أو الوزارة المسئولة كنواة للسلطة التنفيذية عام ١٨٧٨.

٢- فرمان الخط الشريف الصادر عام ١٨٣٩:   و الذي يشكل مزيدا من السعي نحو الديمقراطية بتقييد سلطات والي مصر و تقرير الحقوق و الحريات العامة للشعب و خاصة الحريات الدينية

٣-  مشروع دستور عام ١٨٧٩:      و يعد بحق نواة الدساتير المصرية إلا أنه لم ير النور نظرا لتفشي الحكم المطلق في هذه الفترة مما أدى لاحتلال إنجلترا للبلاد

٤-  مشروع دستور العقد عام ١٨٨٢:   وجاء على سبيل التهدئة للتوتر الذي قام بين الخديوي و قوات الجيش ( الثورة العرابية) الذين ثاروا على النظام رغبة في تعديل أحوال البلاد و تقليص امتيازات الأجانب و لم يهتم كثيرا بالحقوق و الحريات إلا أن الخديوي في هذا الوقت و هو الخديوي توفيق أزاد من تدخل الأجانب في البلاد حتى صار المعتمد البريطاني في مصر هو الحاكم الفعلي للبلاد و لم ينظر لمشروع الدستور الموضوع

٥- التأسيس لروح وطنية جديدة ضد الاستعمار والعبودية: مصطفي كامل وصحبه ونهضة المجتمع المصري القائمة علي التعليم والعمل
٦- دستور ١٩٢٣: وهو أول دستور مصري خالص جاء نتيجة لما عانته البلاد من احتلال وسيطرة الملك على مقومات الحكم بالبلاد و بعد تحول مصر إلى مملكة يحكمها الملك فؤاد الأول وفي ظل ثورة المصريين عام ١٩١٩ وقد صدر عن طريق تعيين لجنة وزارية من ثلاثين عضوا لإقرار الدستور و بالفعل صدر الدستور عام 1923 وقد اكتملت أركانه وقد حمل العديد من الموضوعات الدستورية و ناقشها مناقشة موضوعية واستحق بالفعل تصنيفه كواحد من أفضل الدساتير المصرية خلال تاريخها الحديث .

٧- دستور ١٩٣٠: و نتيجة لما ظهر من محاسن دستور ١٩٢٣ وضلوعه في النظام البرلماني الذي كان يقوم على مراقبة البرلمان للحكومة و تقييد سلطاتها ضمانا لحقوق الشعب قام الملك بإصدار دستور عام ١٩٣٠ للحد من صلاحيات البرلمان و حقوق و حريات الأفراد فكان دستورا ظالما بعد أن ذاقت مصر معنى الدساتير الحقيقة حتى وإن لم توضع تلك الدساتير بطريقة ديمقراطية .

٨- عودة دستور ١٩٢٣ عام ١٩٣٥: والذي جاء تهدئة للشعب وما أسفر عنه من استياء و رفض لدستور ١٩٣٠ حيث عاد دستور ١٩٢٣ منذ ذلك التاريخ و ظل مطبقا حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ .


٩- الإعلان الدستوري عام ١٩٥٢:  والذي قرر وقف العمل بدستور ١٩٢٣ وتشكيل لجنة من خمسين عضواً لإعداد مشروع دستور جديد دائم للجمهورية حيث اهتمت الثورة بإقرار نظام سياسي جديد في البلاد و لم يكن بهذه الحرص على إقرار النظام الدستوري للبلاد.
 
١٠-  مشروع دستور ١٩٥٤: وهو المشروع الذي أسفرت عنه لجنة الخمسين المشكلة سلفا وكان مشروعا دستوريا على قد كبير من النجاح إلا أنه قوبل بالرفض حيث أعلن أنه لا يوافق المرحلة التي كانت تمر بها البلاد مما أثار الشك في نفوس البعض نحو الحياة الديمقراطية التي جاءت بها ثورة يوليو.

١١-  دستور ١٩٥٦:       وما كان هذا الدستور إلا تعديلا لبعض نصوص مشروع دستور ١٩٥٤ حيث زادت سلطات مؤسسة الرئاسة مما أعاق سريان بعض الحقوق و الحريات العام للأفراد إلا أنه كان له بالغ الأثر في خدمة النظام السياسي في البلاد هذا فضلا عن إنهائه لحالة من عدم الاستقرار الدستوري و التزاحم السياسي بالإعلانات الدستورية المختلفة .
١٢- دستور ١٩٥٨ المؤقت:  وجاء هذه الدستور نتيجة طبيعية لتغيير شكل الدولة و تكوين نظام جديد لدولة جديدة تتكون من اتحاد جمهوريتي مصر العربية و سوريا فكان ذلك الدستور و لأول مرة ينظم الحياة السياسية في مصر على أنها دولة اتحادية مع دولة عربية أخرى .

١٣-  الميثاق الوطني الصادر عام ١٩٦٢: لم يكن ذلك الميثاق الوطني دستورا بالمعنى القانوني و الفقهي الصحيح و إنما كان بيانا أو إعلانا للمبادئ والثوابت الوطنية المقررة في المجتمع المصري في ظل ثورة يوليو و في هذه المرحلة في جمهورية مصر العربية بعد تعاقب الإعلانات الدستورية في البلاد و عودة شكل الجمهورية إلى الدولة البسيطة بعد إنهاء حالة الاتحاد مع جمهورية سوريا مما يعد تغييرا جديدا في شكل الدولة و كان يجب مواجهته بالتغيير الدستوري اللازم و فيما عدا ما جاء بالميثاق كان يرجع في هذا شأن الموضوعات الدستورية المختلفة إلى دستور ١٩٨٥ فيما يمكن تطبيقه على مصر.

١٤- الدستور المؤقت ١٩٦٤: و هو بقدر ما جاء متواضعا لم يعبر عما تحتاجه البلاد في هذا الوقت من الاستناد إلى دستور قوي ينظم أوضاع الجمهورية إلا أنه خاء لتخطي مرحلة من الغياب الدستوري طالت منذ قيام دولة الاتحاد مع سوريا و حتى ذلك الوقت إلا أن ذلك الدستور جاء بتحديد مدة الرئاسة لتكون ست سنوات يمكن تجديدها بطريق الاستفتاء في ذلك الوقت الذي تمتعت فيها البلاد بثبات رئاسي على حساب الثبات الدستوري أو ثبات الأشخاص على حساب ثبات القاعدة .


١٥- دستور عام ١٩٧١: جاء هذا الدستور على غرار ما جاء به دستور ١٩٢٣ بتشكيل لجنة من ثمانين عضوا لإقرار دستور جديد شامل لجميع الموضوعات الدستورية يعبر بالبلاد لمرحلة الاستقرار الدستوري بعدما طال انتظاره إلى حد جعل البعض يطلق عليه الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية للرغبة في طول استقراره و ثباته و جاء منظما لكل الإجراءات و الموضوعات الدستورية التي تهم الشعب المصري و هو أطول الدساتير المصرية عمرا و أعمقها تأثيرا في الحياة السياسية في مصر حيث استمر العمل به لمدة أربعين عاما بدأت بإقرار مبادئ دستورية متعددة من تعدد حزبي و ضمان لحقوق و حريات الأفراد و توازن سلطات الدولة و انتهت بتعاظم دور مؤسسة الرئاسة في الحكم و انحصار الدور السياسي في البلاد على بعض الأحزاب و الكيانات الموالية للأنظمة الحاكمة. 

15- التعديلات الدستورية بعد ثورة 25 يناير :- وهى تعديلات دستورية قام باجرائها المجلس العسكرى على دستور 1971 وقام بطرحها للاستفتاء الشعبى وتم اقرارها بنسبة 77.8 % من بين نسبة الحضور وعددهم 22مليون مواطن ادلى بصوته فى الاستفتاء

16 - دستور مصر الحديث بعد ثورة 25 يناير :- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


صور استفتاء التعديلات الدستور القاهرة والجيزة صور نتيجة الاستفتاء على
اعلان نتيجة الاستفتاءعلى التعديلات الدستورية

ثانيا :-  اشكالية الحريات فى الدساتير المصرية

******************   
الدستور المصرى اطلقوا صراحه

تمثل الحريات بابا أصيلا فى كل الدساتير، فمن خلال هذا الباب تتم كفالة مجموعة من الحقوق والحريات العامة للمواطنين وتنظيم ممارستها.

وبقدر ما يقر الدستور بهذه الحريات ويوفر السبل لكفالتها وضمان تمتع المواطنين بها، بقدر ما تزداد شرعية الدولة وثقة المواطنين فيها. وكلما اتسعت مساحة الحريات العامة فى المجتمعات الحديثة سواء كانت مدنية وسياسية أو اجتماعية واقتصادية، كلما انعكس ذلك على ازدهار المجتمع المدنى بمنظماته المختلفة وعلى نشوء علاقة صحية بينه وبين الدولة.

ولذلك فمن الضرورى تحرى وضعية هذه الحقوق فى إطار التطور الدستورى المصرى استخلاصا للدروس وسعيا لبناء مستقبل ديمقراطى حقيقى.

ربما من أبرز الدروس التى يجب أن نتفهمها جيدا هى أن قضية الحريات والحقوق فى الدساتير المصرية منذ 1923 حتى الإعلان الدستورى الأخير من القضايا التى تحكمها فلسفة واحدة بدرجات.

قامت هذه الفلسفة على تقييد ممارسة الحقوق والحريات من خلال منح المشرع سلطة تنظيم تمتع المواطنين بهذه الحقوق. وبالطبع تصرف المشرع فى مثل هذه الأمور محكوم بطبيعة علاقة السلطة التنفيذية بالتشريعية والتى كانت مختلة طوال تاريخ مصر الحديث لصالح السلطة التنفيذية.

على الرغم من أن دستور 1923 كان دستورا ليبراليا إلى حد كبير وأفرد بابا للحقوق والحريات العامة كفل من خلاله عديد من الحريات العامة، إلا أنه قيد ممارسة كل هذه الحقوق بوقاية النظام الاجتماعى، وهو مصطلح واسع وفضفاض، ولذلك لم يكن غريبا أن لايتم السماح بتكوين نقابات عمالية إلا مع 1942 وتحت ضغط الاحتلال البريطانى.

استمر هذا التوجه بشكل أكثر حدة مع الدساتير المصرية المتعددة منذ 1952 مرورا بدستور 1971 وحتى الإعلان الدستورى الأخير. فقد فوضت الدساتير والإعلانات الدستورية المشرع حق تنظيم ممارسة الحقوق والحريات العامة وفقا لأحكام القانون (بالنص فى الدستور على عبارات مثل ينظمها القانون ــ فى حدود القانون وغيرها من مصطلحات).

ومن أبرز الأمثلة أن المادة 5 فى دستور 1971أقرت التعددية الحزبية على أن يتم تنظيمها وفقا للقانون، وكلنا يعلم كم كانت القيود المفروضة على تشكيل الأحزاب.

ولا يختلف الأمر بالنسبة لحق تكوين الجمعيات الأهلية والتى تم إفراغه من مضمونه تماما عبر قوانين الجمعيات المتتالية.

إذن نحن أمام حالة استطاع فيها ترزية القوانين إفراغ الحقوق والحريات المكفولة فى الدستور من مضمونها بل والمساس بأصل الحق. وهكذا كانت القاعدة فى تنظيم الحريات فى دستور 1971 وتعديلاته رهنا بإرادة المشرع، وهو فى النهاية خاضع للسلطة التنفيذية بحكم عدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

فبمقتضى النص كما ينظمه القانون تمكنت الحكومات المصرية المتتالية من المساس بأصل الحقوق والحريات واستطاعت التهرب من التزاماتها الدولية.

وربما يكون مهما فى هذا الشأن استرجاع تجربة مشروع 1954 وهو مشروع لم يدخل حيز التنفيذ رغم أنه من أفضل مشروعات الدساتير التى شهدتها مصر. لم يكفل هذا الدستور فقط الحريات المختلفة ولكنه استفاض فى تفصيلاتها، وبالتالى لم يمنح القانون سلطة التدخل فى تنظيم مثل هذه الحقوق للمشرع وحتى فى الحالات التى سمح فيها بذلك قيد سلطة المشرع بشكل واضح. وتلفت المادة الخاصة بحرية تشكيل الأحزاب السياسية النظر بدقة صياغتها وتفصيلها.


تنص المادة التى وردت فى مشروع دستور 1954على أن للمصريين دون سابق إخطار أو استئذان حق تأليف الجمعيات والأحزاب مادامت الغايات والوسائل سلمية، وينظم القانون قيام الأحزاب والجماعات السياسية على الأسس الديمقراطية والدستورية وعلى الشورى وحرية الرأى فى حدود أهداف وطنية بعيدة عن اى نفوذ اجنب.

وهو النص نفسه تقريبا الذى ورد بشأن النقابات. وحرص المشروع على أن يحيط كل الحريات الفردية والعامة بضمانة تشريعية أساسية لا تسمح باستغلال القانون لتعطيل الدستور بالتأكيد على انه فى الأحوال التى يجيز فيها الدستور للمشرع تحديد حق من الحقوق العامة، لا يترتب على هذه الإجازة المساس بأصل الحق.

وأخيرا فإن مربط الفرس فى كل ما سبق أن كل ما شهدناه من دساتير عبر مسيرتنا الدستورية لم يتم عبر مشاركة شعبية حقيقية، ولكنها كانت ثمرة لجان إدارية تقوم السلطة التنفيذية بتأليفها بغرض وضع دستور.


فلم يحدث فى تاريخ مصر الحديث أن تم انتخاب لجنة لوضع الدستور أو جرت مناقشات موسعة حوله قبل إقراره. كما لم يجر استفتاء الشعب سوى على دستور 1971 والذى اتسم بالشكلية الشديدة والتى انتهت بموافقة 99 فى المائة من المصريين عليه. وما يعنيه ذلك أن الدساتير فى مصر تصدر فى حقيقتها عن السلطة التنفيذية مباشرة.

وتكشف عن نواياها فى السعى لتحقيق هيمنة سلطة الرئاسة سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية على سلطات الحكم الأخرى.

إن صياغة دستور جديد تتطلب مشاركة شعبية واسعة النطاق، تضمن تلافى ما عانينا منه لسنوات طويلة وأدى إلى ما نحن فيه

الشعب المصرى يضحى بحياته فى سبيل دستور يمنح كل  مصرى الحرية والمساواة


ضع تعليق