Snippet


فايز صالحة لا يزال يبحث عن العدالة!

الثلاثاء, 19 فبراير, 2013, 14:44 بتوقيت القدس
فايز صالحة لا يزال يبحث عن العدالة
فايز صالحة يغلق باب أرضه ولكنه مؤمن بأن باب الأمل مفتوحsafaimages
بيت لاهيا 
يغلق الفلسطيني فايز صالحة بوابة أرضه الصغيرة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، بعد وقت قضاه في تشذيبها وتنظيفها استعداداً لزراعتها مجدداً بعد انشغاله بقضية رفعها أمام المحاكم الإسرائيلية ضد الاحتلال لمحاسبة مرتكبي مجزرة راح ضحيتها ستة من أفراد عائلته خلال حرب 2008/2009.

صالحة، المواطن الأربعيني، يهمّ متعالياً على حزنه، بين يوم وآخر بالذهاب إلى أرضه التي زرعها مراراً خلال السنوات الأربع الماضية مكان المنزل المكون من 3 طوابق الذي قصفه طيران الاحتلال في 9/1/2009 وأفقده زوجته وأربعة من أبنائه، فضلاً عن شقيقة زوجته التي أوت إلى منزلهم خلال الحرب.

المحكمة ردت الدعوة وغرمت صالحة

المفارقات في قصة المواطن المكلوم هي سيدة الموقف، وتجلت مؤخراً في قرار المحكمة الإسرائيلية التي لم تكتف بردّ دعواه، بل وقررت تغريمه أكثر من 5 آلاف دولار تحت مسمى "أتعاب القضية"، موضحا أنه لم يتوقع أن ترفض المحكمة متابعة الدعوى وإن توقع ألا يصدر عنها قرار عادل كعادة القضاء الإسرائيلي العنصري.

وتعليقاً على الحكم، يقول المسئول في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت، والذي رفع القضية نيابة عن العائلة:" إن المحكمة قالت في حكمها إنه بالرغم من إثبات المدعين لوجود إهمال من الجيش الإسرائيلي بعدم إعطاء فرصة للسكان لإخلاء المنزل وأن ادعاء الإهمال حتى لو أثبت لا يبطل كون الهجوم يأتي ضمن عملية حربية".

عقاب للضحية

ويضيف زقوت لوكالة "صفا": "الحكم جاء في صورة عقاب للضحية، ويشير إلى توجه لردع أية محاولات، أو حتى التفكير بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. ويوضح أنه حتى لو ثبتت الجريمة، فإن جيش الاحتلال محمي بتبرير أن القصف جاء في سياق عملية حربية".

ويستهجن محاولات الاحتلال تفصيل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني على حسب مزاجه وبما يتواءم مع انتهاكاته، بشكل مخالف يدمر كل معايير العدالة، موضحاً أن حكم المحكمة انعكاس لتشريع عنصري، خاصة وأنه جاء دون حتى النظر في القضية المقدمة.

ويؤكد أن هذا يجب ألا ينال من عزيمة الضحايا، بل يجب أن يكون وسيلة لتثبيت السوابق لكشف النظام العنصري المتواطئ سياسياً وعسكرياً وقضائياً لتبرير الجرائم وحماية المجرمين، مشدداً على ضرورة العمل جدياً لحصول فلسطين على عضوية المحكمة الدولية.

صالحة يجد في أرضه متنفساً

ويرى زقوت أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه أمام الضحايا لنقل قضيتهم للمحكمة، مع الإلحاح على إحقاق العدالة، موضحاً أن "عائلات كثيرة عانت من نفس النتيجة، لكن للأسف ما ينشر عن ذلك قليل"، مطالباً بتسليط الضوء على مثل هذه الحالات.

وأثار هذا القرار الظالم في نفس فايز الكثير، ويذكر لوكالة "صفا" أنه دفعه للاعتكاف يومين في منزله، لكنه قرر الخروج ثانية والعودة إلى أرضه التي يقول إنه يجد فيها سلواه، ويرى فيها الأمل الذي ينبت حياة جديدة، وكأنه عندما ينظفها يحاول خلع الموت الذي زرعه الاحتلال.

الأرض المتنفس

ويشير إلى أنه يأتي إلى الأرض دائماً هو وأبناؤه الثلاثة، الذين يستعيدون اللحظات الأخيرة قبال القصف، حين تمكنت والدتهم من إخراجهم، لكن الصاروخ الإسرائيلي الذي استهدف المنزل، لم يترك لها المجال لإنقاذ نفسها أو أبنائها الأربعة الباقين أو حتى أختها.

مفارقة أخرى، حسبما يروي فايز، ظهرت من خلال عمله في مركز إيواء أقامته وكالة الغوث الدولية "أونروا" في مدرسة "أبو حسين" في مخيم جباليا التي يعمل فيها حارساً، وخلال الحرب أصبح من فريق الطوارئ في المدرسة، فيما كان منزله مأوى لعدد من عائلات الأقارب.

وكان يحث عائلته على اللجوء إلى المدرسة، التي كانت أكثر أماناً وكان كل شئ متوفراً، وذلك حتى اليوم الأخير، حيث يقول: "اقترحت عليهم أن ينتقلوا إلى المدرسة، لكنهم آثروا البقاء، وغادرتهم حينها إلى دوامي الذي يبدأ ليلاً وينتهي صباحاً".

ويضيف لوكالة "صفا": "لو اشتبهت لثانية واحدة بأن المنزل سيكون معرضاً للقصف لكنت رحلّتهم فوراً"، مردفاً: "أنا مؤمن بالقضاء والقدر، لكن هذا لن يمنعني من ملاحقة الاحتلال على جرائمه بحق عائلتي التي لم تكن تريد سوى الحياة، التي استكثروها علينا".

ويؤكد: "القضية لم تنته بمجرد قرار المحكمة الجائر، سأواصل حتى تحقيق العدالة لأسرتي، نريد أن نثبّت للتاريخ حقيقة الاحتلال وجرائمه وانحياز قضائه الذي يكرّم المجرم ويجرّم الضحية. لن أسكت عن حقي أو حقهم، فهذه أمانة في عنقي لن أتوقف حتى أوفيها".

أقساط المنزل المقصوف

العودة صعبة للغاية بالنسبة للعائلة أو من تبقى منها، فرب الأسرة ما يزال معلقاً بين السكن بالإيجار، وبين استكمال دفع أقساط المنزل المدمر، ويصف ذلك بقوله: "أصرف أموالي مقابل الهواء حالياً"، حيث أنه مطالب بتسديد الأقساط للمصارف حتى أواخر العام القادم.

الأقساط أثقلت كاهله لسنوات حتى استكمل بناء المنزل، الذي ضاع في ثوان في القصف الإسرائيلي، وهي تنال نصيباً كبيراً من راتبه، في وقت يعاني فيه منذ أشهر لعدم تمكنه من دفع الإيجار المتأخر للشقة، الذي يستهلك معظم ما تبقى من الراتب.

ويتمنى فايز أن يتمكن من إعادة إعمار المنزل، مشيراً إلى أن توجه إلى الحكومة ووزارة الأشغال والمجلس التشريعي ووكالة الغوث الدولية، وعدد من المؤسسات الخيرية التي تنفذ مشاريع لإعادة بناء المنازل المدمرة، لكن شعوراً بالإحباط تسرب إليه بسبب عدم حصوله على إجابة شافية.

ويقول رب الأسرة بعد انتقالنا معه إلى شقته: "أقمت بعد المجزرة في بيت ابن عمي لنحو أسبوعين، ومن ثم انتقلت إلى مخيم (الريان) لإيواء المهجرين في مخيم جباليا مع أولادي الثلاثة، حتى جاءني أحد الأصدقاء وسلمني شقة في منزله سكنت فيها 6 أشهر، حتى انتقلت للإيجار بعدها".

ويضيف: "رغم أنني لم أرغب حينها بالزواج، إلا أنني خطبت وتزوجت بعد إلحاح من الأصدقاء والأقارب، حيث أبنائي كانوا ما يزالون في حاجة إلى من يرعاهم معي في هذه الفترة، ورزقني الله بزوجة تفهمت الوضع وكانت خير عون في هذه المعاناة".

ابتسامة تغلب دمعة

ويتابع فايز وهو يقلب صور أبنائه الشهداء: "أنجبنا بنتاً أسميتها رنا وعمرها (3 أعوام) تيمناً باسم أختها الشهيدة، التي تراها في الصورة، وبعدها رزقنا بولد أسميناه ضياء تيمناً باسم شقيقه الشهيد وعمره (7 أشهر)، نريد لحياتنا أن تستمر، لكننا أيضاً نحتاج إلى من يقف معنا لتجاوز هذه المحنة".

الزميل دلول خلال حديثه مع صالحة

ويشير إلى أن أوراق العائلة والمستندات الرسمية فقدت جراء القصف، وحتى الصور الخاصة بأسرته اختفت، لكنه حصل على بعضها من الجيران أو من خلال محلات التصوير التي تحفظ نسخاً عنها، ويقول: "وكأنهم لم يريدوا فقط قتل العائلة، بل وإخفاء كل أثر ممكن لها".

لم يتمالك صالحة نفسه، فغالبت ابتسامة علت وجهه دمعة أبقاها حبيسة في محجرها، وهو يسرد حكايات عن زوجته رندة (33 عاماً)، وأطفاله: ضياء الدين (14 عاماً)، بهاء الدين (4.5 عاماً)، رنا (12 عاماً)، رولا (عام واحد).

لكنه تمكن من استخراج بدل فاقد لاستكمال الإجراءات الرسمية، فيما قدمت له مساعدة عاجلة كباقي من دمرت منازلهم بقيمة 10 آلاف دولار، فيما تسلم مساعدات من حركة حماس بقيمة 26 ألف دولار نهاية العام الماضي، استغل معظمها في تسديد جزء من ديونه المتراكمة منذ سنوات.

وبحثاً عن استعادة الفرحة في حياته ولو جزئياً، خطب لابنه نور الدين (19 عاماً)، الذي سيعقد حفل زفافه الصيف القادم، فيما استذكر أبنائه الراحلين، الذين قال إنهم لا يغيبون عن باله ولو للحظة، مضيفاً: "أتحدث معهم روحانياً، هم دائماً هنا بيننا، يكبرون معي وأشعر بهم في كل مكان". 

ضع تعليق